بقلم/ احمد الشاوش
على أنغام أغنية وموسيقى الفنان عبدالحليم حافظ " اللي شبكنا يخلصنا.. تُفتح أبواب القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء للسفير السعودي محمد ال جابر ، ويستقبل بحفاوة كبيرة كالأبطال الفاتحين من قبل الرئيس مهدي المشاط ، وعضو السياسي الاعلى محمد علي الحوثي ، وهات يا قبلات وعناق واحضان ، رغم الدمار الرهيب ودماء الشهداء التي لم تقف او تجف حتى اللحظة ، لتكون الصدمة الاولى للمشاهد اللبيب.

الصدمة الثانية جاءت بعد ساعات من مغادرة السفير محمد ال جابر بإعلانه ان زيارته تأتي كونه " وووووسيط " ، لتثبيت الهدنة ووقف اطلاق النار واطلاق الاسرى وادارة الحوار بين " اليمنيين " ، ليسجل صدمة للوفد العماني وضربة موجعة للحوثيين افقدتهم نشوة النصر ، وتشفي الاعداء والشعب اليمني حلاوة الامل والسلام بعد ان شاهد الصور واللقطات والابتسامات العريضة والقُبلات والمجاملات والايعاز للداخل والخارج بإن السعودية رضخت لمنطق القوة والطيران المسير والاسلحة الباليستية ، لنكتشف ان السفير ال جابر تحول فجأة من عدو الى صديق وحمامة سلام وغصن زيتون من اول نخس

والعجيب انننا لم نسمع من انصار الله " الحوثيين" ، صدور أي " بيان" رسمي أو تصريح للناطق الرسمي محمد عبدالسلام ، بإن تصريحات ال جابر تجافي الحقيقة وان السعودية طرف اساسي في الحرب ، لان الرد في مواقع التواصل : تويتر" واخواتها من قبل شخصيات غير مخولة والجيش الالكتروني هو حالة من الضعف والارباك وفقدان الارادة.

والطريف في الامر ان استقبال السفير السعودي بالقصر الجمهوري بصنعاء تم من قبل شخصيات حوثية بعينها بينما تم تغييب شركاء انصار الله من المؤتمريين والاحزاب والمكونات الاخرى واستكثروا حضورهم واستخدامهم حتى مجرد ديكووور للزينة والمزايدة ، وكأن قرار السلام حصري بيد أولياء الله ، بينما اكثر ما لفت وخطف ابصار المشاهد اليمني هي الصورة الخلفية للحراس الانيقين الذين يرتدون البدلات والكمامات السوداء في زمن انتهاء فيه عصر كورونا.

والحقيقة التي تؤلمني والكثير من اليمنيين ان نعاج المؤتمر الشعبي العام في العاصمة صنعاء تلقت صدمة أخرى من الشريك في السلطة وكذلك الاحزاب الاخرى المغيبة عن السلام ، حتى لم يتم دعوة الأستاذ " حسين حازب " الذي تحول الى ملكي اكثر من الملك وغيره من نمور اسيا ، ما يجعلنا نردد المثل اليمني اللطيف " ياراقصة في ظلمي ماحد يقلش حيا" ، وأغنية الحبوبة نانسي عجرم " ازعل نص نص " ، واغنية العندليب الأسمر مووووعووود.

لم تنتصر السعودية في اليمن منذ اليوم الاول لإعلان الجبير الحرب من واشنطن بدءاً بعاصفة الحزم ومروراً بإعادة الامل والسهم الذهبي .. بل تم توريطها واغراقها في المستنقع اليمني بعد ان أوهمها الامريكيون بإن حرب اليمن نُزهة ونصر تاريخي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصاعد الى الُملك ، بينما كان الرابح الاكبر هي مصانع السلاح الامريكية والبريطانية والفرنسية والالمانية والكندية والصينية لتحويل المنطقة الى براميل متفجرة لضرب الامن والاستقرار وعدم تحقيق اي ازدهار او تنمية اقتصادية وبشرية وقطع الطريق على العملاق الصيني الذي يبحث عن طريق حرير وأسواق وعالم متعدد الاقطاب.

كما كانت الحرب فرصة تاريخية لا يران وقطر وسلطنة وعمان لتصفية حساباتها مع الرياض واستنزاف أموالها واقتصادها وامنها وسمعتها وهيبتها وسجلها الانساني وابتزازها بصورة بشعة للحد من طموحاتها المشروعة وغير المشروعة ، وما استهداف وقصف بقيق وخريص والليلة المشؤومة التي أرقت نوم الامير الشاب ووزير النفط وخلية الازمة وعالم الصناعة الا دليلاً قاطعاً على اضعاف الرياض وقصقصة أجنحتها وعدم تجاوز الخطوط الحمراء ، رغم ان السلام هو الطريق الآمن لتحقيق رؤيتها واستراتيجيتها الطموحة.

لذلك لم تحقق السعودية بنك الاهداف رغم اكذوبة احمد عسيري ، سوى التورط في ارتكاب المجازر والدمار والدماء وقصف المنجزات وعجلة الاقتصاد وضرب التنمية والرهان على سياسة التجويع وتقسيم البلاد والعباد واكبر دليل على فشل السعودية في اليمن هو ما تنبأ به محمد حسنين هيكل رحمة الله عليه بقوله ..

"السعودية ستحارب اليمن وتخسر الحرب وستنتصر اليمن وإن لم تنتصر اليمن انبشوا قبري واحرقوا جثتي واحرقوا كتبي".

لم تحقق أيران أي نصر في اليمن لان اليمن اكبر من صنعاء وعدن وتعز ومارب وحضرموت وغيرها ، سوى استنزاف غريمها التاريخي السعودية وتدمير اليمن وترحيل ابناءه الى الجبهات والمقابر ، دون ان تقدم كيلو تمر أو حتى المساهمة في بناء مستشفى أو طريق للمواطن اليمني سوى السلاح القاتل.

وفي تصوري ان السعودية انقذت إيران من السقوط بعد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي احدثت شلل تام في الحياة اليومية وخسائر فادحة في الاقتصاد والتنمية وانهيار العملة الوطنية الى جانب العقوبات الدولية وتعرض الكثير من القادة للاغتيالات اليومية بسبب قضية مهسا ووقف مشاركة مراسلة قناة العربية البث من قلب إيران ومعسكرات المعارضة.

وفي المقابل اقتربت إيران بعد الشعور بالخطر من السعودية وعقدت نحو خمسة لقاءات في العراق وغير العراق ادت الى تفاهمات وتوقيع وزيري خارجية السعودية وايران اتفاق في العاصمة الصينية بكين ، كان بارقة أمل في استقرار وامن منطقة الشرق الاوسط ومنها انقاذ السعودية من المستنقع اليمني من خلال الضغط على انصار الله ووضع حلول للتوصل الى تسوية سياسية و عملية سلام شامل إلا ان بعض الاعبين الدوليين لم يروقهم ذلك .

لم تحقق قطر وسلطنة عمان أهدافها بالانتقام من هيمنة السعودية على خلفية الخلافات التاريخية والسياسية والحدودية سوى مزيد من الاستنزاف للرياض واضعافها بإطالة الحرب ، بينما ترفعت سلطنة عمان عن الانتقام وفضلت دبلوماسية الحوار لحل الخلافات مع الرياض ومشاكل الرياض مع صنعاء لتكون الاجمل ، بينما البريطانيون مازالت عيونهم على الجنوب وينتظرون فرصة تاريخية للعودة بعد ان تم طردهم من قبل الثوار الشرفاء ، وتظل احلام الامارات شاخصة نحو ميناء عدن وجزيرة سقطري ومنابع النفط التي تصب في انفصال الجنوب.

والحقيقة ان الشواهد السياسية والدبلوماسية والممارسات تؤكد ضعف خبرة الحوثيين في ادارة شؤون الحياة والسياسة والدبلوماسية بدليل انهم استقبلوا ال جابر في صنعاء بدلاً من الالتقاء به في سلطنة عمان كونه في نظرهم عدو باعتبارها الوسيط النزيه والحقيقي للسلام ، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

لم نرى الوفد "الايراني " يفاوض الشيطان الاكبر في واشنطن في كل جولاته ولم يستقبل الرئيس الايراني سفير واشنطن في طهران ، ولم يستقبل عبد اللهيان وزير الخارجية السعودي الا في بكين بعد ان تم الاتفاق على المسودة النهائية والذهاب الى بكين بينما اصحابنا استعجلوا قوووووي ولم يتعلموا من دهاء وخبرة إيران الا في القتال!!؟.

لم نشاهد الرئيس السوري بشار الاسد يستقبل وفد العدوان التركي في دمشق ، ولم تفاوض الكويت العدوان العراقي في بغداد أيام صدام حسين ، ولم يتفاوض ثوار فيتنام في أي ولاية امريكية ، ولم تفتح موسكو أبوابها لا وكرانيا و كييف لموسكو !!.

كل مواطن يمني شريف يحب السلام وليس لنا أي عداوات مع السعودية وايران والعالم في ظل لغة المصالح والروابط المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وانما مشكلتنا مع الداخل ، مع مراكز القوى العابثة التي تدعي الفضيلة وتصنع الازمات وتنشر خطاب الكراهية وتصنف الناس الى سادة وعبيد ومشكلتنا مع القرويين والمناطقيين واعشار المثقفين والمتديين والعملاء والمرتزقة والمزايدين والمنافقين الذين ينفخون في كير الفتنة ودق طبول الحروب وتسفير الأبرياء والبسطاء الى المقابر ليل نهار تحت ستار الدين والوطنية والتقدمية لنكتشف ان تلك الُدمى والادوات تعيش على فضلات أبواب امراء النفط ودهاليز كسرى وشوارع لندن وسفارات امريكا وملاهي اسطنبول وساحات الدوحة وابوظبي.

والحقيقة ان السفير محمد ال جابر سياسي ذكي ودبلوماسي بارع ومهندس من الطراز الاول وجه وقته في خدمة وطنه وأستطاع بحكمته وشيطنته أن يتلاعب بكافة القوى السياسية وتحويلهم الى دُمى وشياطين ومردة في خدمة المشروع السعودي يجمعهم باتصال كجن سليمان ويفرقهم برسالة sms في لمح البصر ، لان القرش في المثل اليمني يلعب بحمران العيون.

كما استطاع بشيطنته ان يسبب ضجة كبيرة ويدخل الشارع اليمني في دوامة بعد اختراقه ودخوله القصر الجمهورية بصنعاء والجلوس وجهاً لوجه مع من يعتبرهم ويعتبرونه العدو اللدود مجاناً.

السؤال الذي يدور في اوساط الشعب اليمني اليوم والمجاهدين في كل الجبهات لماذا يتم استقبال سفير السعودية بالعاصمة صنعاء وماهي مصلحة انصار الله من اللقاء وما مصلحة الشعب اليمني وما هو المقابل وهل ايران وأجنحتها هي التي دفعت الحوثيين الى استقبال ال جابر ، أم هو الجناح الامامي التابع للرياض منذ ستينات القرن الماضي أم أصحاب العددي.
وهل الزيارة هي مقدمة لتبييض جرائم السعودية مقابل حصول الحوثيين على الحصة الاكبر في الحكومة القادمة ، وفقاً للقاءات السرية والعلنية بين الرياض وصنعاء في طهران الجنوب ، ام ان غلطة الشاطر بعشر ، لنكتشف ان "اللقية طلعت سود" على حد قول المثل اليمني .

الشعب اليمني اليوم يبحث الى سلام حقيقي بأي ثمن ومهما كانت التكلفة باهظة للخروج من الحرب العبثية وصناعة الازمات الداخلية والخارجية لالتقاط انفاسه لاسيما بعد ان تحول تجار الحروب واللصوص وقطاع الطرق والعملاء في كل انحاء اليمن الى امبراطوريات ورجال اعمال خلال ثمان سنوات من دماء الشعب اليمني وقوت الشعب ومرتبات الشعب وثروات الشعب ، بينما الشرفاء في كل ارجاء اليمن تحت خط الفقر والجوع والموت والرعب.

فالسلام العادل والمشرف والصادق بعيداً عن دغدغة عواطف الشعب ومقالب غوار الناعمة و"رامز جلال " القاتلة " ، هو مطلب كل مواطن يمني ، في أسرع وقت ممكن كونه طوق النجاة للجميع مالم فأذنو بحرب من الله ورسوله والمؤمنين ، ويومها لن ينفع الندم ولم تنفع تجار الحروب وصانعي الازمات ، لا امريكا و لا بريطانيا ولا ايران ولا السعودية ولا الامارات ولا قطر ولا تركيا ولا الاموال الحرام ولا الاسلحة والصواريخ والمسيرات لان الشعب اليمني أصبح لا يفرق بين الموت والحياة ، بل ان الموت أشرف له من البقاء على قيد الحياة ذليلاً وجائعاً وفقيراً ومريضاً ومطارداً ومهجراً ومنبوذاً ومظلوماً حتى في مطارات وبلدان العالم .. لقد بلغت الحلقوم ..

أصدقوا الشعب وأرفوا به يغفر الناس لكم خطاياكم ، لأنه اذا غابت عدالة الارض حضرت عدالة السماء .. واللي شبكنا يخلصنا .. فهل من رجل رشيد.

حول الموقع

سام برس