بقلم/ غسان يوسف
هل سيؤثر الانفتاح العربي على سوريا على الانتخابات التركية المزمع إجراؤها في الرابع عشر من مايو القادم ، ولا سيما أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان أول من مد يده للرئيس السوري بشار الأسد منذ الخامس من أغسطس 2022 بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، وقبيل انعقاد قمة منظمة شنغهاي في الخامس عشر من سبتمبر في مدينة سمرقند في أوزبكستان من العام نفسه معلناً أنه لا يمانع لقاء الرئيس الأسد في حال حضر القمة.

تصريحاتُ إردوغان في حينها نسفت كل المخططات الداعية لاستمرار مقاطعة سوريا ، فالأهم بالنسبة لإردوغان هو البحث عما يساعده في الفوز بالانتخابات القادمة بعد أن سارعت المعارضة التركية للاتصال مع دمشق ، وتقديم وعود للحكومة السورية بالانسحاب من المناطق التي تحتلها تركيا ، ودفع تعويضات عن سنوات الاحتلال ، والمشاركة في إعادة الإعمار في حال كُتب لها الفوز! ما جعل إردوغان يفكر في سحب هذه الورقة من يد المعارضة.

بعد أن حلت كارثة الزلزال في سوريا في السادس من فبراير الماضي عمدت أغلب الدول العربية على إنهاء مقاطعتها لسوريا ، سواءٌ بالاتصال بالرئيس الأسد ، أو عبر إرسال مساعدات إنسانية ، أو تبادل زيارات دبلوماسية ، ما جعل دمشق ترى في الانفتاح العربي عليها ورقة قوة لها تجاه الدول الإقليمية وفي مقدمها تركيا.

إردوغان بحسه السياسي يرى أن انفتاح العرب على دمشق قد يؤدي إلى أمرين.

الأول : مشاركة الدول الخليجية في إعادة إعمار سوريا .

الثاني : عودة سوريا لتكون ممراً للبضاعة التركية والأوربية إلى دول الخليج.

ومن هذا المنطلق حاول إردوغان تسريع وتيرة المفاوضات مع سوريا ما سينعكس برأيه إيجاباً على وضعه في الانتخابات ، وثانياً على الاقتصاد التركي بعد قيامه بترميم العلاقات مع دول الخليج العربي ، وفي مقدمها كل من السّعودية والإمارات.

صحيح أن أغلب الدول العربية ربطت انفتاحها على سوريا بالتّوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السّورية ينهي تداعياتها كافة ، ويحافظ على وحدة سوريا ، وأمنها واستقرارها ، وهويّتها العربية ، ويعيدها إلى محيطها العربي ، بما يحقّق الخير لشعبها الشّقيق ، وهو ما أكد عليه البيان التشاوري العربي الذي عُقد في جدة يوم الجمعة الماضي في الرابع عشر من الشهر الجاري ، وحضرته إضافة إلى دول الخليج كل من مصر والأردن والعراق.

أما تركيا فربطت تقاربها مع دمشق بمسألة واحدة وهي محاربة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" متجاهلة احتلالها لأراضٍ سورية ، ودعمها لمجموعات إرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة" سابقاً ما جعل الدولة السورية تعلن عن شروطها على لسان الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة لموسكو في الخامس عشر من مارس الماضي وهي أن أي تقارب سوري مع تركيا يجب أن يُنهي الاحتلال ، ويفكك الإرهاب ويضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

ومن هنا نجد أن الانفتاح العربي على سوريا كان ضرورياً، لتقوية موقف سوريا في مواجهة الصلف التركي، ما يعني أن الدول العربية ستكون قوة فاعلة مؤثرة تقف إلى جانب سوريا في مطالبتها لتركيا بالانسحاب من الأراضي السورية، وهو ما أكدت عليه جامعة الدول العربية في أغلب اجتماعاتها.

في حين سيجد الرئيس التركي نفسه محشوراً في زاوية بسبب ضغوط المعارضة التركية على حكومته، والتي تتهمه بالتورط في نزاع داخلي سوري، الأمر الذي كبد تركيا الكثير من الخسائر البشرية والمادية في حين وصل عدد اللاجئين السوريين إلى ما يقارب الأربعة ملايين.

ويبدو أن إردوغان اقتنع أخيراً أنه لا يمكن الاستمرار في مقاطعة الرئيس الأسد والدولة السورية، وأن مقاطعة دمشق إذا ما استمرت، فإن ذلك يعني استمرار مشكلة اللاجئين، وذهاب سوريا إلى التقسيم، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تفكك الدولة التركية في حال نجاح المخطط الكردي في سوريا.

يقول بعضهم إن الانفتاح العربي على سوريا لم يكن ليحدث لولا التغيير الذي حدث في الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي - الإيراني ، الذي أُعلن عنه الشهر الماضي برعاية صينية ، ما يعني أن المنطقة مقبلة على مرحلة من الهدوء تسمح للصين بتنفيذ مشاريعها الضخمة في المنطقة تحقيقاً لمبادرة الحزام والطريق والتي انضمت إليها أغلب دول المنطقة ومنها سوريا وتركيا.

*كاتب وباحث سياسي مختص بالشأنين السوري والتركي

نقلاً عن المشهد

حول الموقع

سام برس