بقلم/ احمد الشاوش
المشاهد المأساوية والصور المرعبة والتدافع الرهيب وحالات الدعس والاختناق وصرخات استغاثة المنكوبين التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي جراء محرقة البؤساء الباحثين عن ملاليم المساعدات القاتلة في "طوابير الموت" على أبواب التاجر الكبوس في باب اليمن ليلة الاربعاء الثامن والعشرين من رمضان ، مثلت صدمة عنيفة وكارثة انسانية بلا حدود وفشل ذريع للدولة ورجال المال والاعمال في تحقيق الهدف الانساني الذي حول الفقراء الى جثث هامدة.

والسؤال الذي يطرحه المواطن اليمني اليوم بحسرة وقلب يعصره الالم والحزن لماذا لايتم اختيار المكان المناسب لتوزيع الصدقات والمساعدات ، وأين شروط السلامة ، وأين دور الدولة في تأمين المكان من أي طارئ أو انفجار عبثي ، ومن الذي اطلق الرصاصة الاولى بحسب بعض الاشاعات ومن المستفيد من عشرات الجثث المحروقة والاصابات المنكوبة؟.

ولماذا يتم تجميع آلاف الفقراء قبل العيد بيومين ، واين التاجر الكبوس وغيره من تجار صنعاء من اول رمضان لتجنب الازدحام والفوضى للتخفيف عن معاناة المحتاجين ؟.

طالعنا تصريح مدير عام مكتب الصحة مطهر المروني ، والذي كشف في احصائية اولية عن وفاة 78 وعشرات المصابين من بينهم 13 حالة حرجة مايدعو للحسرة والالم..

ورغم ايماننا بإن التاجر الكبوس وغيره من التجار نواياهم صادقة في أعمال الخير والمساهمة في رفع جزء من معاناة الفقراء والمحتاجين بصورة مستمرة ، وما يعانية التجار من ضغوط بوقف الصرف للفقراء ، الا أن آلية التوزيع خاطئة وفاشلة ومهينة وتنتقص من كرامة الانسان ، كما ان الحادثة المروعة لايستبعد ان طرف ثالث قد يكون مستفيداً من تلك الفوضى لوقف تلك الصدقات أوتهييج الرأي العام.

كان الاجدى والاصلح ان يقوم فريق عمل التاجر الكبوس بحصر الاسر العزيزة عبر بعض العلماء والعقال والمواطنين الشرفاء تلك الاسر المتضورة من الجوع والفقر والمرض والتي لاتسأل الناس الحافاً وان يرسل فريق عمله حوالات محترمة عبر الصرافين أو المرور على كل بيت بدلاً من المزاحمة والمداهفة والبهذلة بين المطر والرياح والبرد وطوابير الموت كون العالم تطور الكترونياً بمايحفظ كرامة البائس والفقير بدلاً من تلك الاعداد المهولة التي بعضها بحاجة والبعض الاخر أدمن مهنة الشحت على مدار الساعة.

وفي تصوري ان حكومة الانقاذ الوطني بصنعاء هي المسؤل الاول عن انتشار الفقر في اليمن طالما تحملت المسؤلية ولكنها تجردت عن مسؤولياتها الدستورية والقانونية والاخلاقية بعدم صرف مرتبات موظفي الدولة وتقديم الضمان الاجتماعي للفقراء والمستحقين وتوفير الخدمات العامة وامتصاص البطالة ووقف تدهور الاقتصاد وارتفاع الاسعار الجنوني ، رغم الايرادات المهولة من الزكوات والضرائب والجمارك والجبايات وغيرها..

كما انها نقطة سوداء في جبين هيئة الزكاة التي تضخم رصيدها الى مليارات وترليونات بعد أن عصرت رجال المال والاعمال وغيرهم وفشلت في اجراء مسح ميداني دقيق وشامل بصنعاء لسد فاقة الناس والقيام بواجباتها الدينية في عدالة التوزيع بأعتبارها المسؤول الاول امام الله والمواطن في تحقيق الغاية من مصارف الزكاة.

والمشهد المؤسف والغريب هو ان جماعة انصار الله الحوثيين ، منعت البنوك والصيارفة وكل تاجر ومنظمة وفاعل خير من تقديم أي مساعدات غذائية وتوزيع أي أموال زهيدة للفقراء والمحتاجين حتى من اراد ان يفرش مسجداً، الا من خلال قنواتها الخاصة.

وما حصل للتاجر فاهم من مضايقات في رمضان السابق وغيره من التجار الا دليلاً على الاسلوب الخاطئ للجماعة التي تريد ان تتحول من دولة الى جمعية خيرية او منظمة انسانية للاستمرار في صناعة وتسويق الفقر ، رغم دفع التجار الزكاة بالكامل ومايقدمونه هي صدقات من مالهم الخاص .

وأغرب مافي الكون ان تتحول الدولة الى حكومة ازامات ومؤسسات وطوابير.. طوبير مهينة للحصول على دبة غاز عند عقال الحارات وطوابير بهذلة في محطات البترول والديزل وطوابير في صرف المساعدات الدولية المهينة في المدارس ومراكز الصرف وطوابير في هيئة وفروع الزكاة والبريد وطوابير في الاوقاف والمحاكم ..

وأكثر ألماً وصدمة هو المتاجرة بعزة وكرامة الناس من قبل بعض المنظمات المحسوبة على الانسانية وفاعلي وفاعلات الخير الذين يصرون على استغلال حاجات الفقراء والتقاط صور توثيقية بشكل مهين للرجال والنساء والاطفال رغم رفضهم التقاط صورهم مقابل كيس دقيق وقطمة سكر أو رز وقليل من عدس البهذلة.

الرهيب اننا نودع اليوم وغداً نحو ثمانون جنازة أويزيد كان كل منهم وأولاده يحلم وينتظر فرحة العيد رغم المبالغ الحقيرة وان بعض الاطفال والنساء ستتحول سعادتهم الى مآسي واحزان بوفاة ذويهم في كارثة طوابير الموت التي قدمت قرابين في رمضان للفساد وسؤ الادارة وغياب الوازع الديني والتجرد من الضمير واللامبالاة.

فلا يعقل ان يسقط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح في العالم من اجل الحصول على 5000 ريال يمني مساعدة بمايعادل 9 دولار بعد ان حولته الحروب المحلية والاقليمية والدولية و سلطات حمران العيون الى شحات بأمتياز على قارعة الطريق ، في كارثة انسانية مخجلة سيوثقها التاريخ.

لم تحدث تلك الجريمة الانسانية في الصين التي بلغ عدد سكانها 1.411 مليار نسمة ، او في الهند التي بلغ عدد سكانها1.423 مليار ولا في اندونيسيا أو كوريا الشمالية التي تعاني من مجاعة اوحتى في اسرائيل التي نلعنها ليل نهار ، لان تلك الدول تحترم نفسها وشعوبها ومسؤولياتها ولديها برامج انسانية وصحية وضمان متخصصة وخبرات كبيرة في ادارة شؤون الحياة وخدمة المواطن وليس جعجعته وافقاره وتحويله الى شحات على أبواب ومؤسسات التجار وهيئة الزكاة ومصادرة حقوقه ومرتباته والتلذذ بتجويعه على طريقة " جوع كلبك يتبعك".

واذا كانت هيئة الزكاة قد بادرت الى التوجية بدفع مليون ريال لكل اسرة شهيد وعلاج جميع المصابين ودفع مبلع 200 الف لكل مصاب ودفع 50 مليون ريال لتغطية احتياجات المصابين حتى الشفاء بحسب ماتذكره بعض الاخبار فتلك خطوة محمودة وواجب شرعي وانساني.

لكن الحقيقة انها لوانفقت مثل هذه الاموال مسبقاً على الفقراء والمساكين والمحتاجين وطوابير الموت لما وصلنا الى هذا الرقم المخيف من القتلى والمصابين ، بدلاً من الهرولة وراء الدعاية وتجميع القنوات وعدسات التصوير والاستعراض في مراكز الصرف بالبريد كما حدث امام عيني قبل يومين وغيرها من المواقع.

والملاحظ ان هيئة الزكاة تريد ان تستأثر بماتبقى من الصدقات الانسانية والمساعدات رغم انها صدقات خاصة ولاتتعلق بالزكاة وليس لها الحق فيها الذي يمكنها من حرمان البعض في حين لم يعم خيرها جميع الفقراء اليمن .

الجميع اليوم يبحث عن العدالة وفقاً للقانون والشرع بعيداً عن استغلال الحدث أو الانتقام أو مهاجمة الكبوس ومحلاته ومؤسسته التجارية كما يروج البعض من خلال الاجهزة الامنية وغيرها ، وانما السير في الاجراءت القانونية بما يرض الله ورسوله والمؤمنون.

أخيراً .. لانستبق الاحداث فالامانة تقتضي ان تقوم النيابة العامة بالتحقيق بأمانة ومصداقية ووفقاً لمقتضيات العدالة وان تقوم الاجهزة الامنية بدورها بعيداً عن " الشخصنة " واحاطة الرأي العام بالتفاصيل الحقيقية عن محرقة الفقراء ومعالجة المصابين ودفن الشهداء بما يليق بهم واعطاء التعويضات للاسر المنكوبة وعدم اجبار الحكومة أو مراكز القوى أوهيئة الزكاة رجال المال والاعمال والتجار والبنوك والجمعيات الخيرية على اجبارهم بدفع الصدقات اليها طالما دفعوا الزكاة الشرعية بحسب الانضمة المحاسبية والالكترونية فكل تاجر حر في توزيع ماله وبالطريقة التي يراها بعيداً عن طوابير الموت ومحارق الفقراء واذى السلطات واستغلال الكارثة ، مع الاخذ بعين الاعتبار المعالجة الصحيحة لكل الاختلالات واستحضار المسؤولية.

نسأل الله الرحمة للشهداء والصحة والعافية للمصابين ودفع الله ماكان أعظم.

حول الموقع

سام برس