بقلم/ عبدالباري عطوان
لماذا تعارض أمريكا بقوة عودة سورية للجامعة العربية وتضع العقبات في طريقها؟ وما دور الاتفاق السعودي الإيراني ودعوة الأسد لزيارة الرياض؟ وكيف يجب ان يكون الرد على هذه “الوقاحة”؟ وهل هذا الارتباك اعترافا أمريكيا بالهزيمة المذلة في الشرق الأوسط؟

تصادفنا في مهنتنا الإعلامية، وحياتنا السياسية، العديد من التصريحات والمواقف الاستفزازية، نتجاهلها، ونتعالى عن تناولها بالتعليق او التنفيذ، لأننا نتجنب الهبوط الى مستواها واصحابها، ولكن التصريح “الوقح” الذي ادلى به فيدانت باتيل نائب المتحدث باسم الخارجية الامريكية مساء امس الخميس يفرض علينا ان نكسر هذه القاعدة، وان نرد على هذا التطاول وهذه الغطرسة ليس بالشتائم، وانما بالوقائع، والأدلة الموثقة بالحقائق.

المتحدث المذكور قال وننقل حرفيا “لا نعتقد ان سورية تستحق إعادة قبولها في جامعة الدول العربية في هذا الوقت ، وان الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات مع حكومة الأسد في غياب تقدم حقيقي نحو حل الصراع في البلاد ، ونؤكد للشركاء الإقليميين المنخرطين في الحكومة السورية ان مشاركتهم يجب ان تركز على تحسين الظروف الإنسانية في سورية”.

هذا التصريح جاء بعد زيارة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود للعاصمة السورية دمشق ، وتسليمه الرئيس السوري بشار الأسد دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية ، وبعد لقاء وزراء خارجية تسع دول خليجية وعربية في مدينة جدة لبحث عودة سورية الى جامعة الدول العربية ، زيارة الرئيس السوري للامارات وسلطنة عُمان مما يعكس حالة من الغضب الامريكية ، واعترافا بالفشل والهزيمة ، والجهل المطلق بالتطورات الاستراتيجية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط ، وانحسار النفوذ الأمريكي والغربي فيها بعد ما يقرب من ثمانين عاما من الهيمنة والاملاءات المهينة ، والحروب التدميرية ، والنهب للثروات بطرق متعددة ، بالإضافة الى فشل المخطط الأمريكي في أوكرانيا.

ثلاث نقاط رئيسية استوقفتنا في هذا التصريح لزاما علينا التوقف عندها :

الأولى : قوله ان أمريكا لا تعتقد ان سورية تستحق إعادة قبولها في جامعة الدول العربية في هذا الوقت.

الثانية : التأكيد على ان الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات مع حكومة الرئيس الأسد في ظل عدمم وجود تقدم حقيقي نحو حل الصراع في البلاد.

الثالثة : تحريض “الشركاء الإقليميين” المنخرطين مع الحكومة السورية ، ويعيدون العلاقات معها بالتوقف عن هذا التوجه ، واشتراط تحسين الظروف الانسانية في البلاد.

انها قمة الوقاحة المهينة ان تفرض الولايات المتحدة على حلفائها ، او من تبقى منهم ، هذه الشروط ، وان تملي عليهم من يكون عضوا في الجامعة العربية او من يجب منعه من الانضمام او العودة اليها، فلم نسمع ، او نقرأ مطلقا ، انها يمكن ان تقدم او تجرؤ على فرض مثل هذه الاملاءات على أي منظمة إقليمية أخرى مثل الاتحاد الافريقي، او منظومتي شرق آسيا وامريكا الجنوبية، ولكنها ، أي أمريكا ، تعتبرنا كعرب “حيطة واطية”، وإنها هي المسيطرة على جامعتنا العربية ، ومنظوماتنا العربية الأخرى المتفرعة عنها ، وصاحية الكلمة الأخيرة فيها.

فالولايات المتحدة ، ذات القلب الإنساني الكبير ، والحريصة على الشعب السوري وحقوقه ، تنسى او تتناسى ، انها هي التي انفقت وحلفاءها العرب أكثر من 500 مليار دولار على الأقل لتدمير سورية ، وإشعال فتيل الفتنة فيها ، واستشهاد نصف مليون واعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب علنا ان حكومته وحدها انفقت أكثر من 90 مليار دولار لتغيير النظام وتمويل هذه الحرب فيها.

اذا كان المتحدث الأمريكي قد نسي هذه الحقائق الدامغة او تناساها، مفترضا اننا كعرب الأكثر سذاجة وغباء في العالم، فإنا نذكره بأن بلاده هي التي ما زالت تحتل أراضي سورية ، وتسرق نفطها، وغازها، في وضح النهار، وتدعم الإرهاب والحركات الانفصالية فيها، وتفرض حصار “قيصر” التجويعي الذي يحرم أكثر من 25 مليون سوري من الحد الأدنى من العيش الكريم، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا أدوية، وأكثر من 90 بالمئة من الشعب السوري يعيش على وجبة واحدة في اليوم او اقل، كل هذا بسبب الإنسانية الامريكية.

هاتفني في مكتبي قبل أيام وزير وسفير سوري سابق، اعتذر عن عدم ذكر اسمه ، مهنئا بحلول شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك ، وعندما سألته عن الأحوال في البلاد اقسم بالله ان راتبه التقاعدي كوزير الذي يبقيه واسرته على قيد الحياة انكمش الى اقل من 40 دولارا شهريا ، فاذا كان هذا حال الوزير فكيف هو حال افراد الشعب العاديين.

الحكومات العربية ضاقت ذرعا بالإملاءات الامريكية المذلة ، ورفع معظمها رايات التمرد والعصيان ، وانضموا بشكل متسارع الى النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب بزعامة الصين وروسيا، وفي إطار منظومتي دول “البريكس” ومعاهدة “شنغهاي”، وهذه قمة الحكمة وبعد النظر.

عندما يعلن الرئيس البرازيلي الشريف لولا دا سلفا، ومن قلب بكين امس ان على العالم القذف بالدولار الأمريكي في صندوق القمامة ، واستخدام العملات المحلية ، او الموحدة القادمة التي سيصدرها النظام المالي العالمي الجديد ، فان الكتابة ظاهرة على الحائط، ، ولا تحتاج الى شرح.

الجامعة العربية انتهت ، وباتت اطلال خربة متعفنة ، ويجب قذفها في وجه أمريكا وحلفاءها ، والانضمام الى النظام العالمي الجديد، فالسنوات الامريكية العجاف “نفقت” وانتهى زمانها ، وعمرها الافتراضي ، وبات العالم ، ونحن كعرب جزء أساسي في قلبه ، يدوس على العصر الأمريكي، المتآكل، مرحبا بعصر جديد اكثر عدالة وحرية ، واقل حروبا ، وقتلا ودمارا بإذن الله..
والأيام بيننا.


نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس