بقلم/ سامح شكرى
نحتفل اليوم مع جميع الدبلوماسيات المصريات باليوم العالمى للمرأة فى العمل الدبلوماسى ، والذى يوافق يوم الرابع والعشرين من يونيو من كل عام، تقديراً لدورهن وبصماتهن المضيئة فى تاريخ عمل وزارة الخارجية المصرية على مدى عقود طويلة.

هذا اليوم الذى حدده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر فى العام الماضى ودعمت مصر رعايته، يمثل إقراراً تاريخياً بالدور المهم الذى تقوم به المرأة فى مجال الدبلوماسية والشئون الدولية، وهو بمثابة فرصة لتذكير المجتمع الدولى بأهمية تعزيز التمثيل المنصف للمرأة فى المجال الدبلوماسى، ودعم جهود تعزيز المساواة بين الجنسين، وضمان المشاركة الفاعلة للمرأة فى جميع مستويات آليات اتخاذ القرار،وكذلك تسليط الضوء على التحديات الخاصة التى تواجه المرأة العاملة فى هذا المجال.

لطالما حرصنا على تهنئة المرأة المصرية فى اليوم العالمى للمرأة الذى يوافق 8 مارس من كل عام عرفاناً بإسهاماتها فى كتابة التاريخ وبناء الحاضر ورسم المستقبل لمصرنا الحبيبة، إلا أن احتفالنا اليوم يتيح الفرصة لأن نختص الدبلوماسيات المصريات والسيدات عضوات أسر الدبلوماسيين اللاتى يقفن خارج الأضواء كالأم والزوجة والابنة، بتحية إجلال وتقدير،إقراراً بدورهن المؤثر فى دعم عمل المؤسسة الدبلوماسية المصرية، وتثميناً لتاريخ مشرف من العمل الدءوب وتحمل المسئولية والعطاء غير المحدود فى مختلف مواقعهن من أجل خدمة وطنهن.

هذا الدور الذى أقدره جل التقدير فى ضوء إدراكى الكامل للتحديات الإضافية التى يفرضها العمل الدبلوماسى عليهن، وما يلقيه من أحمال ثقال على أعتاقهن للوفاء بالتزاماتهن تجاه عملهن، ورعاية أسرهن والوصول بها لبر الأمان فى ظل مصاعب عدم الاستقرار وتلاحق الأزمات الإقليمية والدولية وتحديات اختلاف الثقافات المرتبطة بطبيعة العمل الدبلوماسي.

تعد المرأة فى العمل الدبلوماسى تجسيداً حقيقيًا لما تتمتع به المرأة المصرية من إمكانيات وقدرات على الإنجاز والتفوق، وقد تبوأت المرأة المصرية مكانة متميزة فى مضمار العمل الدبلوماسى لتشكل إضافة حقيقية ولتسهم بفاعلية فى نسج شبكة العلاقات الواسعة للدولة، وتعزيز شراكاتها الإقليمية والدولية.

كما كان للدبلوماسيات المصريات دور كبير فى نقل الصورة الحضارية للمرأة المصرية، والتطور الذى شهده مجال تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين فى مصر إلى العالم الخارجى، خاصة مع تزايد أعداد الدبلوماسيات فى التمثيل الدبلوماسى المصرى فى الخارج وتواجدهن بشكل مكثف فى الدول والمواقع التى تهتم بتمكين المرأة، وتعزيز تمثيلها فى مختلف المجالات ودوائر اتخاذ القرار. ولا يسعنا أن نغفل فى احتفالنا اليوم أن نستذكر تاريخ التحاق المرأة بمجال العمل الدبلوماسى، والذى بدأته السفيرة هدى المراسي.

فقد كانت أول سيدة تبدأ التدرج الوظيفى من درجة ملحق عام 1964 إلى أن تم تعيينها سفيرة لجمهورية مصر العربية لدى إيطاليا فى أوائل التسعينيات، فضلاً عن تعيين الدكتورة عائشة راتب كأول سيدة تتقلد منصب سفيرة لمصر فى الخارج عام 1979 لدى الدنمارك، ثم جمهورية ألمانيا الفيدرالية آنذاك, وقد كانتا بمثابة حاملات المشاعل الأولى لانطلاق المرأة المصرية فى العمل الدبلوماسى وفتحن الطريق لعشرات الدفعات من بعدهن، التى تضمنت العديد من الدبلوماسيات.وقد وصلت نسبة تمثيل المرأة فى أحدث دفعات الملحقين الدبلوماسيين بوزارة الخارجية إلى نسبة 62 %، كما يبلغ عدد الدبلوماسيات بالسلك الدبلوماسى والقنصلى نحو 274 من أصل 949 عضوا حاليا بالسلك الدبلوماسى المصرى أى يمثلن قرابة 30% من أعضاء السلك الدبلوماسي.

كما يشغل منصب سفير مصر فى الخارج نحو 19 سفيرة وقنصلا عاما فى مختلف الدول التى تمثل دوائر الاهتمام للسياسة الخارجية المصرية، فضلاً عن تولى أكثر من 32 دبلوماسية لمناصب قيادية فى الديوان العام لوزارة الخارجية.

سطرت الدبلوماسيات المصريات أيضاً العديد من قصص النجاح الملهمة فى مختلف المواقع خارج إطار وزارة الخارجية، وأثبتن حضورهن القوى وعطاءهن الفاعل والمتميز فى خدمة وطنهن فى مختلف مجالات العمل، بما فى ذلك تبوؤهن للكثير من المناصب القيادية فى المؤسسات الوطنية المصرية كالمجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة وصولاً لمنصب وزيرات، وأيضاً فى المنظمات الدولية المختلفة كنماذج مشرفة لمصر تعكس الوجه المشرق للمرأة المصرية للعالم الخارجي.

وهنا، يتوجب التنويه إلى أن قصص النجاح التى حققتها الدبلوماسيات المصريات فى مختلف المناصب القيادية لم تأت من فراغ، بل جاءت تتويجاً لإنجازات مضيئة فى تاريخ عملهن، واعترافاً بالمنظور المختلف الذى تضيفهن فى التقييم والتحليل لمختلف القضايا، وتقديراً للأدوار الأكثر خصوصية التى تلعبها فى مختلف المناصب، وكذلك تثميناً للكفاءة التى أظهرتها الدبلوماسيات المصريات فى تعاطيهن مع مختلف الأزمات.

وفى هذا الصدد، نود أن نشير بكل تقدير وفخر إلى الزميلات الدبلوماسيات فى سفارات مصر فى السودان وأوكرانيا وفى الدول المجاورة لهما، واللاتى قمنا بتحمل وإنجاز مسئولياتهن تجاه وطنهن ومواطنيه فى ظل ظروف أمنية صعبة مثلت تهديداً مباشراً لسلامتهن. فلم تتوان الزميلات فى هذه المواقع الصعبة عن تأدية دورهن فى تأمين إجلاء المصريين من مناطق النزاعات وإعادتهم لأرض الوطن، وبقينا مرابطات فى مواقعهن حتى انتهاء عملية نقل المواطنين المصريين إلى بر الأمان، وحماية وتأمين مصالح وطنهن فى تلك الدول.

هذا، ولا شك أن النقلة النوعية الشاملة والمتميزة التى حققتها المرأة المصرية فى مختلف المجالات ومن ضمنها مجال العمل الدبلوماسى ما هى إلا ترجمة عملية لرؤية ثاقبة لدور المرأة الحيوى فى بناء الأوطان، وهى الرؤية التى تعمقت فى فكر ونهج القيادة السياسية التى آمنت بأهمية إفراد مساحات التمكين للمرأة المصرية، وكان إفراداً مستحقاً للدبلوماسيات المصريات اللاتى وضعن بصمة ثابتة قادرة على الاستمرار والعطاء فى العمل الدبلوماسى داخل وخارج مصر.

نتطلع، ونحن نحتفل باليوم العالمى للمرأة فى العمل الدبلوماسى، إلى مواصلة دبلوماسيات مصر لجهدهن الدؤوب والمقدر لتعزيز اضطلاع وزارة الخارجية بدورها الوطنى المنشود داخل وخارج مصر. وستستمر وزارة الخارجية فى دعم الدبلوماسيات المصريات فى الداخل والخارج للقيام بدورهن على أكمل وجه وتمكينهن وإتاحة الفرصة لهن لإبراز قدراتهن على الإسهام والقيادة فى العمل الدبلوماسي. وكل عام وكل السيدات فى العمل الدبلوماسى بكل خير.

*وزير الخارجية

نقلاً عن الاهرام

حول الموقع

سام برس