بقلم/ جمانه ممتاز
يُهدم التاريخ في بلد عمره ٧٠٠٠ سنة، فيما تحفر دول أخرى في أعماق الأرض بحثاً عن آثار وذلك لأنها قضية " وجود"، وكلما زاد رصيد البلد التاريخي زادت إمكانية لحاقه بالمستقبل، ذلك لأنه يقف على رصيد معرفي ونتاج بشري يجعله عالياً وأطول وأقدر على النظر بعيداً، بالضبط مثل إنسان يملك خبرة طويلة في مجال معين، وشاب يافع مليء بالحيوية أقبل على الحياة ولكن تنقصه الخبرة.

في بلدنا، نعيش مشكلة صراع المثقف مع الجاهل "السفيه"، ذلك الذي يبرر كل الأعمال السيئة والتجاوزات، بل يتفق مع أقرانه ويقومون بمهاجمة كل شخص وطني وواعٍ يرفض الاساءة لتاريخ بلده؛ ولا يعلم هذا السفيه أن الموضوع يمسه هو أيضاً، لكنه يتقوقع داخل صدفة الطائفية التي لا يريد ان يعرف نفسه سوى بها، بينما الناس الطبيعية تعرف نفسها بهوية وطنها، وما أعظمها من هوية، هوية بلد عمره ٧٠٠٠ سنة، يريد الجهلة فيه أن يهدوا معالمه.

أول ما جاء داعش إلى الموصل ، أمسك الفأس وراح يدك آثار المدينة، التي ظلت شاخصة لبضعة آلاف سنة حتى جاء فكر ارهابي تكفيري لطمس هذه المعالم، وما كانت الموصل لتكون الموصل لولا لم تقمْ فيها دولة آشور، ولم يواصل أهلها التجارة وصناعة الأعمال اليدوية والإبداع في الأدب والفن، لظلت حاضرة مغمورة يُصعب أن تتحول إلى مدينة.

ثم بعد ذلك، وضع الناس أيديهم على قلوبهم لعل منارة الحدباء لا تسقط، واستجد الصراع بين المثقفين وبين ناس تصرخ " تدافعون عن الحجر وتنسون البشر" والحقيقة أن الدفاع عن الحجر ليس الا دفاع عن "وجود" البشر، فهذا تاريخهم وإرثهم الثقافي الذي لا يعوض بقيمة مادية فقيمته من قيمة عمره، والا ما معنى ان يموت الجندي في المعركة فداءً للراية؟ ذلك لأن الراية تمثل قضيته وقضية الناس التي يدافع عنها، فإذا كانت أي بلدة تملك مبلغاً لإقامة منارة مثل منارة الحدباء من أين ستأتي بقيمة عمر المنارة؟ لا بد أن تصبر ألف سنة لتأتي بذات القيمة.

نحن حتى اليوم نبكي على حرق المغول لكتب #بغداد، في حادثة مضى عليها ما يقارب ٨٠٠ سنة، لقد ارتكب المغول أبشع جريمة بحق الفكر الإنساني، هذا الفكر الذي لولاه لما وصلت الحياة لهذا التطور، وتبلورت العلوم وتكورت لتصبح على شكل شبكة معلومات متصلة ولا #ذكاء_اصطناعي ولا سيارات ولا طيارات، كل البشر نسخة مطورة من الأمس.

القصة تعاد اليوم مع منارة السراجي في البصرة، في لحظة فخر او حماس أُزيل بها المسجد من الشارع ليُسمح بالتوسعة، كان ذلك على حساب تاريخ #البصرة، المدينة المحفورة في التاريخ، للأسف، قلة من يدركون أن بُعد المسجد أكبر من بعدٍ اسلامياً ومسجداً للسنة، بل هو مسجد تاريخي مرتبط بهوية المدينة وثقافة أهلها الذين بنوا وعمروا وتأملوا وتفكروا وعاشوا وماتوا، فإذا كنت تريد بناء مسجداً تبدأ الاسعار من ٥٠ الف دولار فصاعداً، ولكن ليست هذه قيمة المسجد! بل عمره.

دائماً أقول وأسأل، ماذا لو كانت مدينة #بابل مثلاً في دولة اخرى غير #العراق؟ كيف سيكون حالها؟ ماذا لو كانت زقورة الناصرية او نواعير هيت في بلد آخر غير العراق؟ وهناك أمثلة حية، عن كيف تستعرض المانيا وفرنسا وبريطانيا تاريخ بلدنا وكيف نعامل تاريخنا نحن.

نقلاً من صفحة الكاتبة في تويتر

حول الموقع

سام برس