بقلم/ احمد الشاوش
ظهرت في أوساط المجتمع اليمني عادات غريبة وتقاليد دخيله يقوم بها بعض الاغنياء من حديثي النعمة الذين صعدوا الى المريخ بضربة حظ في زمن الفوضى والحروب ، رغم انتشار الفقر المدقع والجوع القاتل والبطالة والمرض.

والمتابع للمشهد الاجتماعي في اليمن اليوم يصدم من حالات البذخ والتبذير والاسراف والمباهة في حفلات الاعراس والمبالغة بدءاً بخطبة الزواج وتكاليفها الباهظة من ذهب وملابس وعطور وصناديق مطرزة وساعات وموبايلات وحق الام والجدة والخالة والمقيل ومروراً بالمهر والشرط والاستعراض في صالات الزفاف الضخمة والتعاقد مع الفنانين والنشادين والمصورين والمصورات وانتهاء بالمواكب الملفتة للنظر التي تجوب شوارع المدن لايصال العروس الى بيت الزوجية بعد لفة في شوارع المدن وازعاج الناس بالهون واطلاق الرصاص والالعاب النارية طوال الليل تعبيراً عن الفرحة عند أهل العريس والعروس وازعاج سكان الاحياء من الاطفال والنساء والامراض دون شعور بالمسؤولية الاخلاقية والدينية وحق الجوار .

وما يدعو للدهشة في زمن الجوع والفقر والبطالة ان بعض الاسر اليمنية دفعت خمسة ملايين مقابل مهر لاحدى العرائس ، ونحو 4 مليون مقابل اجراء مراسيم الزفاف في احدى الصالات بصنعاء ناهيك عن الدعوات الانيقة والمصورين والمصورات والنشادين والماء والعصيرات واكياس الدعاية الجميلة والحلويات ، وكله يهون الا ان يتحول هذا الترف والاسراف الى خارطة طريق مستقبلية تقصم ظهر الشباب المكافح والباحث عن عمل والمرأة لتي تبحث عن عريس المستقبل للستر وتربية جيل المستقبل.

والعجيب ان أغلب القاعات وصالات الافراح رفعت أسعارها بصورة جنونية مما أدى الى حالة من السخط والحيرة والخضوع للامر الواقع لدى بعض الشباب الباحثين عن الستر واكمال نصف دينهم الاخر في ظل غياب الجهات المسؤولة التي يجب ان تكون شوكة ميزان من حيث الرقابة وتحديد ووضع الاسعار المعقولة بين صاحب القاعة وأصحاب المناسبة والفنانين والنشادين والمصورين بعيداً عن الاستغلال.

اتذكر بكل حزن والم منذ سنوات قصة الشيخ القبلي الذي تم ممازحته في مقيل بأنه كبر وقل مائه وحياءه ، فاراد ان يثبت رجولته فبعث بشخص الى اسرة كريمة من صنعاء للزواج من ابنتها ًالجميلة جداً وفي سبيل الصيت والهدايا والسيارة الفارهة والمهر والشرط الكبير الذي قدمه شيبوب اجريت مراسم الزواج وماان وصلت قمر 14 وتجلاها في فستان الزفاف وماهي الا ساعات حتى كتب ورقة طلاقها مسبباً احراجاً كبيراً للزوجة العفيفة الطاهرة واسرتها التي فرحت بالنسب الكبير .. لذلك نامل من كل أب وام وأخ وخالة واسرة الا تنظر الى المال والمنصب والجاة بقدر ماتنظر الى العمر والاستقامة والرجولة والرضاء وأن تعمل بالمثل اليمني القائل"على قدر فراشك مدد".

والحقيقة ان ظاهرة الاعراس في الفترة الاخيرة بهذه الصورة الجديدة والبريستيج المزيف هي انعكاس للجهل والنرجسية والشعور بالنقص الغرض منها ارسال رسالة للناس اننا بيت فلان ، وزعطان ، رغم ان المثل اليمني يقول "الجيد يعرف بشمله" والله سبحانه وتعالى يقول:

"ﻭَﻣِﻦْ ﺁﻳَﺎﺗِﻪِ ﺃَﻥْ ﺧَﻠَﻖَ ﻟَﻜُﻢ ﻣِّﻦْ ﺃَﻧﻔُﺴِﻜُﻢْ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻟِّﺘَﺴْﻜُﻨُﻮﺍ ﺇِﻟَﻴْﻬَﺎ ﻭَﺟَﻌَﻞَ ﺑَﻴْﻨَﻜُﻢ ﻣَّﻮَﺩَّﺓً ﻭَﺭَﺣْﻤَﺔً ﺇِﻥَّ ﻓِﻲ ﺫَﻟِﻚَ ﻟَﺂﻳَﺎﺕٍ ﻟِّﻘَﻮْﻡٍ ﻳَﺘَﻔَﻜَّﺮُﻭﻥَ " الروم21.

تلك الاحتفالات الكبيرة والتكاليف الباهظة والاستعراضات المؤقتة ترسي قاعدة جديدة للطمع وعُرف جديد للجشع والمماثلة لدى بعض الاباء والامهات في اليمن الذين يتذرعون عند تقدم بعض الشباب المستقيم والمؤهل والمحافظ لخطبة بناتهم بطلبات تعجيزية مثل بيت فلان ، وما دفعوا في فلانة وبنت الجيران وكأن العروس سلعة قابلة للبيع والشراء في السوق اليمني للمزاد.

حتى وان كانت تلك الحفلات والتكاليف من الاموال الحلال في زمن الفقر والجوع والمرض فأن اسلوب المباهة والمبالغة يُعتبر صورة شاذة تستفز المجتمع ومشاهد عبثية تجمع بين الفرحة والالم ، والسعادة والحزن ، والغناء والفقر ، والشباع والجوع ، وتغرس في نفوس الاسر اليمنية جروحاً وتؤسس طبقة وتعمل شروخ في أوساط المجتمع اليمني المحافظ الذي يملك منظومة من قيم التواضع والبساطة ، متناسين ان أيسر الزواج أقله مؤنة ومهراً وفقاً لتعاليم نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم.

لقد تأثرت بعض الاسر اليمنية في الثمانينات والتسعينات ببعض الثقافات الخليجية الوافدة عبر المغتربين اليمنيين في السعودية بعد رجوع البعض من الغربة والمبالغة في تقديم المهور والهدايا واحزمة الذهب والملابس للفوز بعروس المستقبل ، كما تأثرت بتسابق المغتربين في امريكا أيضاً في المناطق الوسطى..

كما تأثرت ببعض اغراءات رجال المال والاعمال والسياسيين والقادة والمشايخ ، لتمر سنوات وتتلاشى تلك الثقافات الدخيلة على المجتمع التي أسست فترة لنفس العٌرف لكن اليمنيين سرعان ماقفزوا على تلك العادات والمبالغات الغير منطقية ، ليظهر من جديد بعض حديثي النعمة والمهوكين الذين يتزوجون لمجرد شهرين وثلاثة وستة شهور ومن ثم الطلاق للدخول في تجربة جديدة لاشباع شهوته باسلوب رخيص ومدمر للاسرة اليمنة.

أخيراً .. الهدف من الزواج هو تكوين اسرة وذرية صالحة بعيداً عن البذخ والتبذير والاسراف والمباهة والطمع والجشع ، والله سبحانه وتعالى يقول :

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً.. الإسراء

والحديث النبوي "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرْضِ وَفَسَادٌ" رواه الترمذي

وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"أعظمُ النساءِ بركةً؛ أيسرُهنَّ مؤنةً.

حول الموقع

سام برس