بقلم/ عبدالله بشارة
سأبدأ مشيراً إلى مسؤولية رئيس المجلس وأعضاء المكتب في تواصل الدور البرلماني الذي وضع قواعده المرحوم عبدالعزيز الصقر عندما كان رئيساً للمجلس في بداية الستينيات، وتناغمه مع المرحوم الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية في ذلك الوقت في تنسيق الأدوار، مستفيداً من توجهات الدبلوماسية الكويتية كما تبنتها السلطة التنفيذية، وهي حكومة الكويت.

كان البرلمان يستغل توقف العمل صيفاً، واضعاً برنامجاً لجولات خارجية، تتمثل في زيارة عواصم عربية وغير عربية لشرح هموم الكويت وواقعها، مع عرض لأولوياتها التنموية، ومساهمتها عربياً وعالمياً في الالتزام بالأمن والسلام وحل القضايا بالحوار والابتعاد عن العبارات المستفزة لخلق المناخ المسهل للحلول.

كان التفاهم بين الطرفين على الدور البرلماني في تقديم واقع الكويت وصفاء مسارها العربي، وإيجابية مزاجها للحلول الملائمة، مع عرض أهدافها التي تتولى الدفاع عنها في الإقليم العربي وفي المجال العالمي، والغرض من هذه الحوارات تأكيد الهوية الكويتية في بحثها عن تجاوز المشاكل والخلافات بحسن النوايا وجدية التعاون.

كانت رسالة الكويت سلمية يطغى عليها التفاؤل، يحركها جمال النوايا البناءة التي لم يقترب منها الغش أو الخداع، يضاف إلى مسعاها لتحقيق التشاركية في ما تملكه الكويت من حصاد النفط بانفتاح تنموي موجود في برامج الدول العربية وغيرها من الدول النامية، تقوده قيادة مؤمنة بقوة الشهامة الإنسانية في العلاقات بين مختلف الدول..

وهذا الارتكاز على عنصر الشهامة يشكّل حالة استثنائية في جمال الطيبة والاطمئنان وتعاظم السكينة والعيش بالدبلوماسية الصافية، وليس بالقوى الخشنة، ممثلة بالجيوش والتحالفات والتهديدات.

كانت هذه الملامح الكبرى للدبلوماسية الوطنية من عام 1961 إلى عام 1990، وكان مجلس الأمة شريكاً فيها حاملاً محتوياتها في جولاته عربياً وخارجياً، ومطمئناً لفاعليتها، مثل ما كانت الدولة الكويتية مرتاحة لها وساعية إلى تسويقها.

كنت أشاهد تجليات المرحوم الشيخ صباح الأحمد خلال اجتماعات اللجنة الخارجية لمجلس الأمة، كان الشيخ صباح يشارك فيها بإيجابية ويعززها بارتياحه لتفهم الأعضاء لضروراتها، ويلح على أن الكويت تنتعش بالمناخ الذي يتميز بالمودة والثقة، وكانت وسائله إبعاد التشاؤم مع دوام التواصل من دون ضجر من الإخفاقات، مؤكداً اعتماد الكويت على الوسائل السلمية ومواصلة الحوار.

واستمرت هذه التركيبة للدبلوماسية الكويتية والدبلوماسية البرلمانية في تزاوج مريح ومثمر، فلم تتوقف الكويت لفحص نواقصها وتقييم حجم إيجابياتها وسلبياتها، وإنما تابعت سيرها وفق المنظور الذي صاغته وزارة الخارجية، الذي أصبح جزءاً جوهرياً في المنظومة الأمنية الكويتية، التي ترتكز على الدبلوماسية لتأمين فاعلية هذه المنظومة.

ومن الغزو تولدت تبدلات مسحت الكثير من التصورات التي كانت تتسيد الدبلوماسية الكويتية، وأبرزها الاعتراف بأن إدخال الشهامة في المحتوى الدبلوماسي أكبر الأوهام التي عشنا فيها بعد أن انكشف اللؤم المتستر في نظام الجوار العراقي، انتقلت دبلوماسية الكويت إلى ما يشبه المحتوى الذي تعيش عليه جميع دول العالم، والذي يتشكل من آليات رادعة يقودها جيش محترف بتدريبات شاقة ومعنويات عالية تنبع من مشاعر وطنية متعمقة، معززة بتحالفات تضم الشركاء التاريخيين الذين تلتقي مصالحنا مع أهدافهم، وأثبتت أحداث الماضي سرعة تحركهم للمشاركة في تأمين سلامة الكويت.

وأعتقد أن التفاهم بين المجلس وبين رجال الدبلوماسية الكويتية يحتاج إلى شحنات تنسيقية تمكن المجلس من استئناف دوره في التعريف بالحقائق التي تشكّل مكونات دبلوماسية الكويت الحالية، والمسببات التي أدت إلى الانتقال من العيش بالدبلوماسية إلى الاعتماد على الازدواجية الجامعة لدمج الناعم مع الخشن.

والواضح أن أولويات المجلس في هذه الفترة الدفع نحو قرارات تتجه نحو حلول لارتفاع الأسعار، وتحسين حياة المواطن، وتعميم خدمات الدولة لتصل إلى جميع المواقع وإلى كل المواطنين، ويتم ذلك في مناخ من الارتياح لآليات الأمن التي تعتمد عليها الكويت حالياً.

وفوق ذلك، لم يصل الملف الأمني الكويتي إلى مشاغل النواب، والسبب وجود الاطمئنان البرلماني للترتيبات الأمنية المتوافرة حالياً..

لا بد أن يتذكر النواب، وعلى الأخص الرئيس وأعضاء مكتبه، أن الشراكة الإستراتيجية الأمنية التي تضم الكويت وكلاً من بريطانيا والولايات المتحدة لها مستحقات لا بد أن يتعرف عليها النواب، فالتواصل الأمني مع الشريكين يحمل تشكيلة من القيم والاعتبارات لا بد من التعامل معها إيجابياً، وهي ليست غريبة على المبادئ التي جسدها دستور الكويت، وكلها تأكيدات على الإنسان وحقوقه وتأمين كرامته على قاعدة المساواة.

فلا نختلف حول حقوق الإنسان وحكم القانون والمساواة وتأكيد الحقوق السياسية وتعظيم مفاهيم الحرية وتحصين كرامة الإنسان.

هذه السلة المبهجة من المواصفات الإنسانية لا تحتوي على ما يزعجنا، لكن الواضح وجود تصدع في حرص مجلس الأمة على المشاركة في الدبلوماسية البرلمانية.. لا بد من الإشارة إلى أن جدول أعمال الوفود البرلمانية في جولاتها الخارجية هو التعريف بالكويت في استنارتها وفي سخائها وفي اعتمادها على الحوار والتفاوض لتأمين استقلالها وسيادتها، وخرج هذا الدور من المناقشات بين المجلس والقيادة السياسية التي اعتمدت على الأسلوب التفاوضي بين الدول العربية المتميز بالثقة في النوايا والتفهم المتبادل لاختلاف المواقف.

يدرك الرئيس المخضرم أحمد السعدون ضرورات التواصل مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ورغم الانفتاح المستمر مع الحكومة، يبقى هناك دور محوري لوجود المجلس مع هذين الحليفين اللذين يشاركان الجندي الكويتي في مهماته الدفاعية، ومن حقهما تأمين تواصل الحوار مع البرلمان المعبر عما يريده شعب الكويت، لكي يتعرف الشريكان على مرئيات الأعضاء حول العلاقة الإستراتيجية التي تجمعهما مع الكويت.

كنت أحضر تقريباً سنوياً في واشنطن عندما كنت الأمين العام لمجلس التعاون، شارحاً أهداف المجلس وتصوراته عن العلاقات مع الولايات المتحدة، وكنت أحرص على لقاء السيناتورة دول رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي..

كانت أسئلة الأعضاء دائماً عن حقوق الإنسان والمرأة والمساواة والشفافية وضرورات الحكم الراشد، مع تأكيد دعم الأعضاء للدفاع عن أمن الخليج، مع التشدد في الانفتاح السياسي والاجتماعي.

والوضع يختلف مع بريطانيا التي زارها رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم، وقد نجح الوفد البرلماني الكويتي في تقديم واقع الكويت بشكل نال تقديراً كبيراً من الأعضاء البريطانيين الذين تحدثت شخصياً معهم.

وآمل أن يجدد المجلس حيويته نحو الامتثال لأهمية الدور البرلماني الدبلوماسي في التعريف بالكويت، همومها ومسراتها، مع تعزيز البرلمان للمحتوى الذي تتشكل منه المنظومة الأمنية الكويتية، مع التواصل المستمر بين البرلمان وبين المجالس البريطانية والأميركية، فلا ننسَ أن الشريك الإستراتيجي الأميركي يراقب مدى الانفتاح السياسي والاجتماعي مع متابعة الإنجاز في مسار المرأة نحو المساواة، ويسأل دائماً عن حسن التصرف في مداخيل النفط، وعن حجم المساعدات للدول النامية.

أقدر شخصياً الدور المهم لمجلس الأمة في الدبلوماسية البرلمانية لتجربتي مع المرحوم الشيخ صباح في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الكويتي في الستينيات، وحرصه على رعايتها واستثمارها إيجابياً، ومن خلال تجربتي كمنسق لجمعية الصداقة الكويتية ـــ البريطانية ولقائي أعضاء البرلمان، وأحكامهم على الزيارات البرلمانية الكويتية..

أجدد الأمل بأن يجدد مجلس الأمة الكويتي المسار الذي سلكه البرلمانيون السابقون لنقل حقائق الكويت إلى مختلف أعضاء الأسرة العالمية.

*نقلا عن القبس

حول الموقع

سام برس