بقلم/ عائشة سلطان
«العائلات السعيدة كلها متشابهة، ولكن كل أسرة تعيسة هي فريدة في تعاستها».

بهذه العبارة التي تحولت لواحدة من أشهر مقدمات الروايات، بدأ الروائي الروسي الشهير ليو تولستوي روايته المعروفة «أنَّا كارنينا»، ليفتح شقاً يمكن النظر من خلاله لحقيقة العلاقات العائلية التي تبدو للناظر من الخارج أو من البعيد مثالاً للتفاهم والتماسك والسعادة المحلقة، السعادة التي ليست أكثر من وهم، أو ثوب شديد الوهن لا يكاد يستر الفجوات والجروح والكدمات التي يعاني منها بعض أفراد هذه العائلات السعيدة، والذي غالباً ما يطلب منه أو يضغط عليه كي يصمت ويضحي ويبتلع تعاسته لأجل سعادة العائلة واستمرارها.

لقد شاهدت الفيلم الجورجي «عائلتي السعيدة» أكثر من مرة، والحقيقة أنه في كل مرة أرى فيه وجهاً آخر لمفهومي السعادة والتعاسة اللذين تحدث عنهما تولستوي، من خلال علاقات وحركة أفراد العائلة وموقف البطلة مانانا (المعلمة والأم ذات الـ 52 عاماً) ولا أدري مقدار الورطة الوجودية الهائلة التي كانت تعيشها مانانا أو تجد نفسها فيها، عندما كان يتوجب عليها أن تتقبل تعاستها كأمر واقع، في مقابل سعادة بقية أفراد الأسرة؟

كانت (مانانا) عالقة في حياتها فعلاً، وكانت تبحث عن معنى لهذه الحياة، عن الجدوى من الاستمرار وسط هذه التعاسة، وعدم الشعور بالقيمة والتحقق، وفقدان الشغف لأي شيء وخاصة حبها للفنون والموسيقى، إنها تتلفت حولها يومياً فتجدها تستهلك نفسها لأجل الآخرين، ولتكون شبيهة بوالدتها، ليكون الجميع سعداء على طريقتهم وأنانيتهم، أما هي فلا تعني حياتها لأي منهم أي شيء، حتى ولو أن يمنحوها حقها في أن تقضي عيد ميلادها كما تشاء، فالمطلوب أن تتلاشى في الجميع وتصبح ما يريدون لا ما تريد!

حين قررت أن تهجر المنزل وتكسر القالب الذي كادت تختنق فيه، قالت لها والدتها بحنق (إنك شخص لا يعرف معنى الامتنان) لماذا؟ لأن زوجك يحبك ويساعدك ولم يشكُ منك يوماً! زوجها الذي علمت فيما بعد أنه خانها وارتبط بسيدة أخرى وأنجب منها دون أن يعبأ بأحد!

نقلاً عن البيان

حول الموقع

سام برس