بقلم/ أحمد الجارالله
لا نريد البكاء على الحليب المسكوب
نرفض أن يتحول بلدنا إلى “كانتونات”
لا يزال القرار القوي الصارم… غائباً
دائماً ما يقودنا المشهد السياسي في الكويت إلى السؤال: هل لدينا علاقات صحيحة وفق النص الدستوري راسخة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، تقوم على أسس ديمقراطية صحيحة، أم هي بناء من ورق تعصف به نسمة هواء وتجعله كأنه لم يكن؟
منذ ستينات القرن الماضي، حين اتفق أهل البلاد على نظام ديمقراطي، واجهت الكويت أزمات عدة، تراكمت على مر السنين، حتى أصبحت عصية على الحل، لأن فهم الديمقراطية كان محكوماً بالفزعة القبلية أو الطائفية، ولعبة المصالح، لهذا لم تقم علاقة سليمة بين الحكومات ومجالس الأمة، فالأولى كانت تسعى إلى تقييد الثاني وفق رؤى رئيس الوزراء أو الأغلبية الوزارية، والآخر كان يستفيد من الخلل في النص الدستوري، ويقوض التعاون بين السلطتين ليجعلها هيمنة على الإدارة التنفيذية، والزحف على صلاحياتها حتى حولها مرات عديدة أداة لتكتلات نيابية، تمنع مصالح المتنفذين به من إقرار القوانين التي ليست على مقاس منافعهم، أو لا تخدم القبيلة والطائفة، وكأن البلاد “كانتونات”، وليست دولة واحدة.

لهذا كانت التعيينات، حتى رئيس مخفر، أو مجرد موظف، تحكم العلاقة بين الوزير والنائب، وسرعان ما تتحول أزمة، أحياناً تصل إلى إقالة مجلس الوزراء، أو حل مجلس الأمة، وهو ما انتهى في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه الفوضى الإدارية، والاستحواذ على الصناعة والزراعة والصحة والتعليم، عبر قوانين فُصّلت على هوى مصالح المتنفذين، وليست لمصلحة الكويت.
طوال العقود التي تلت التحرير، فشلت كل المحاولات الحكومية لإقرار قوانين تخدم الشعب، بل أكثر من ذلك أقرت السلطة التشريعية، وبضغط نيابي، لم يقبلها الكويتيون، كقانون منع الاختلاط، وما سُمي “الظواهر السلبية”، الى حد التفتيش بنوايا الناس.
للأسف، لم يقتصر الزحف على صلاحيات الوزراء، بل وصل إلى السلطة القضائية، ورأينا محاولات حثيثة للهيمنة عليها، فيما لم يتحرك أحد لمنع هذا التغول النيابي على السلطتين، اللهم إلا محاولة جرت في عهد المغفور له الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، ووجهت بعواصف استنكار، أدت في العام 1986 الى حل المجلس، وتعليق الدستور، وكانت واحدة من المقدمات، كما أسلفنا بالأمس، للغزو العراقي.
يومها لم تكن هناك حكومة قوية تعمل على إقناع النواب بضرورة تحديث الدستور، وتسويق رؤيتها للشعب، وأيضا كانت الأوضاع الإقليمية تشجع التوتر وتلهب العلاقات بين المكونات، الاجتماعية والسياسية.
كل هذا لم يؤخذ بالاعتبار بعد التحرير، بل سارت الأمورعلى عكس ذلك، واستخدمت الهيمنة على المشاريع لخدمة أجندات شخصية، وكأن الكويت ليست وطناً نهائياً، إنما دولة موقتة، ولكي يستحوذ هؤلاء على أكبر قدر من المنافع، عمدوا إلى إقفال البلاد، لخوفهم من المنافسة.

إن هذا المشهد الكئيب الذي أصبحت عليه الكويت، أثر على اقتصادها، وأشاع الفساد فيها، وأصبح الولاء للقبيلة والطائفة مقدَماً على الوطن.
في المقابل، كانت دول الإقليم تتجه إلى الانفتاح على العالم، وتطورت بسرعة قياسية، كما في السعودية، والإمارات وقطر والبحرين وعمان، التي سبقت الكويت بسنوات ضوئية.

لأن في كل دول العالم يستطيع رئيس الدولة أن يوقف أي عبث إذا تيسرت له النخبة الأمينة من المستشارين الأكفاء، كما جرى في دول الخليج التي حين استقلت عن بريطانيا عام 1970، إذ إنها لم تتخل عن الخبراء الأجانب، بل استعانت بهم طوال سنوات حتى راكم أبناء البلاد الخبرة، وعملت على بناء هوية صحيحة أساسها الولاء للوطن.
بل إن هذا ما فعلته كل الدول التي مرت بفترات عصيبة أيضا، لأنها أدركت منذ البدء، أنها لن تستطيع التقدم من دون مساعدة الآخرين، ولنا في الصين، حين استعانت بأكاديمي بريطاني، من أصل عراقي، هو إلياس كوركيس، الذي أطلق عليه رائد النهضة الصينية، ولم يعترض أحد، لا في الحزب الحاكم أو قبائل وطوائف البلاد، لذا لا بد من العمل سريعاً، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، حتى لن نصل إلى البكاء على الحليب المسكوب.
نقلاً عن جريدة السياسة

حول الموقع

سام برس