بقلم/ احمد الشاوش
المشهد اليمني اليوم عجيب وغريب ،"كمن يعصد في كوز" .. الوضع غير طبيعي وغير مطمئن وليس مريح ،والحاضر أصبح أشبه بالجنون والمستقبل في مهب الريح ينطبق عليه المثل القائل "عمياء تخضب مجنونة" بعد ان أدمنت مراكز القوى العابثة اللعبة السياسية وغرق الجميع في بحر من حلبه بأختلاط الاوراق العجيبة والاجندات الغريبة والمشاريع المشبوهة وتغييب المشروع الوطني الجامع بعد ان تضاربت رباح السياسة وجعفرت بالوطن وعصفت بالمواطن الشريف في دوامة الفقر والجوع والبطالة والديون والهموم ..

ورغم تلك المعاناة والهموم التي يجب على الحكومة النظر اليها بعين الاعتبار والوقوف عليها بصدق ومعالجتها ، إلا أن كل مسؤول مازال خارج اطار التغطية وبيردد أغنية"العمر فرصة وفي بعض الفرض مغنم" ، في حالة تأهب للطش ماتيسر والبعض بيتحين الفرصة لشفط الهواء ، والبعض الآخر بيدقها إيمان ونزاهة بينما في الواقع انه صار من أصحاب العقارات والابراج والشركات باسماء آخرين بعد ان تم تصفير المؤسسات وتشليح المواطن وتحويله الى هيكل عظمي وحقل تجارب.

اليوم لسان حال المواطن اليمني بعد ان شبع جوع وأنتفخ من الفقر وضاقت عليه الدنيا في زمن الثورة والثروة والفساد والكساد يردد أغنية "لاتشلوني ولاتطرحوني"..عندالله وعندكم خلو لي حالي.

واذا كان الدولار واليورو والجنية الاسترليني والريال السعودي والقطري والدرهم الاماراتي والعُماني بيشتري قيادات ورموز ويغير سياسات وانظمة ودول ، فان كل مسؤول خليجي مولع بتوزيع وترديد أغنية "القرش يلعب بحمران العيون".

واذا كان كل مسؤول دولي بيعجن أم الدنيا في الامم المتحدة ومجلس الامن بـ "الفيتو" ، ويعطل كل قضية انسانية وعادلة ويتوعد ويهدد الدول والانظمة ويروض ويجير المنظمات الحقوقية والانسانية وفقاً للهيمنة وسياساته المشبوهة ومصالح بلاده الغير قانوينة واخلاقية ، إلا أن الانظمة العربية معتلة بالتبعية وشلل التطبيع مع المحافظة على سيادتها وجزء من القرار الوطني ، فإن أصحابنا اليمنيين الذين قسموا أوصال اليمن وتقاسموا نسيجه الاجتماعي وأغلقوا الطرقات وبهذلوا بالعباد في سبيل الثورة والسلطة والثروة والمال الحرام قد دغمروا بلا بريك ، بعد ان تحولوا الى شقاة لدى الدول الاقليمية ومقاولين لدى امريكا وبريطانيا تحت ستار الجمهورية والملكية والوطنية والتقدمية والدين حتى غدينا لاندري كيف تدار البلد ووفق أي رؤية ومشروع ومن يدير ويتحكم باليمن الكبير ويرسم سياسة السقوط التي ادخلت الناس في دوامة من العنف والمشاكل والوهم فلم يعد يدري المسؤول والمواطن أين رأسه من رجله.. بعد ان تحولت أيامنا الى مناسبات عجيبة وغريبة وهُدن وجمعة وراء جمعة وعيد وراء عيد..

الشعب اليمني اليوم بيصفر مثل الضغاطة من شدة الضغط الزائد والنضاج والوجع والالم والحراف وأصبح يردد أغنية "لاتشلوني ولاتطرحوني" ، فلا الجن شلوه ولا العفاريت خلو له حاله ولا الملائكة رحمته يعيش بكرامة ويأكل بشرف وصرفوا حقوقه في هدؤ واستقرار وستر بدلاً من التجويع وصناعة الازمات وتجفيف كل المنابع والروافد وجداول الخير.

نسمع عن أزمات وصراعات وحروب.. نشاهد احاطة أممية ونتفرج على منعوث دولي كل يوم له برعة وكل شهر له رقصة .. تصريحات .. صراخ .. صمت .. انتصارات ..سلام .. استسلام.. لاندري من الكاسب والخاسر ، بينما الحقيقة ان السلام في اليمن يعكس المثل القائل "كلما قلنا عساها تنجلي قالت الايام هذا مبتداها"..

وأغرب من الخيال انه كلما أقترب شياطين الجن والانس من التوصل الى اتفاق على خارطة الطريق والمضي في مسار المصالحة وقرأنا المعوذات مانسمع الا صوت عفريت وتصريح ناري و قاااارح عجيب وصدمة شديدة وجعفارة تعصف باحلام وطموحات الشعب.

شاهد اليمنيون منذ تسع سنوات الكثير من أفلام الرعب والدراما السياسية والقصص والروايات المأساوية الداخلية والنعثات الاقليمية والمقالب الدولية التي رجعتنا عشر خطوات للخلف بعد ان قطعنا شوطاً في السلام في الكويت وغيرها وسرعة الاستسلام لللضغوط والقوى الدولية وضيعنا سيادتنا وارادتنا وقرارنا وتاريخنا وحضارتنا واصالتنا وقيمنا وحقوقنا وطموحاتنا المتواضعة جداً التي أصبحت تُختزل في المطالبة بتأمين الخبز والماء والكهرباء والسكن وفتح الطرقات والتنقل في وطننا الحبيب بصورة آمنة للبقاء على قيد الحياة.

ومن المؤلم والمحزن ان شاهد الحال اليوم ، ان هناك ملايين الاسر اليمنية العزيزة والغنية والمتوسطة التي انقلبت حياتها رأساً على عقب وأصابها الفقر والجوع وقتلتها الديون وفتكت بها الامرض وأغلقت على نفسها وأولادها الابواب رغم تضورها من الجوع دون ان تسأل الناس الحافاً من باب الحياء والخجل.

وعلى وقع ثقافة اليمن بلد المليون دكان ، أصبح المشهد اليوم أن اليمن بلد المليون منافق ومطلب وسارق وخائن وعميل ومرتزق وفهلوي وغبي ومتغابي والمليون شريف ووطني وصاحب ارادة..

وما يدعو للاسى والحسرة ان البعض من قيادات اليمن ومسؤوليها ومشائخها ونُخبها السياسية والحزبية والدينية ومثقفيها تنكروا لها وتآمروا عليها بعلم وبدون علم ودمروها في سبيل التبعية والفجور والانتقام السياسي والصراع المذهبي والعصبية التي أستباحت كل الحدود والقيود وحولت اليمن الى جحيم.

اليمن اليوم بلا عقل ولا وعي ولا حكمة ولاعلم ولا نظام ولا عدالة ولا قانون ولا دستور ولا قبيلة ولا مدنية ولا خبرة ولا مسؤولية وشعب مثل جمل المعصرة مغمض العينين ومش عارف أين الطريق .

دولة في صنعاء بتحن وترعد ، ودولة في مارب يالطيف والقبضة ودولة في المخاء حدث ولا حرج ، ودولة فنادق ودولة في عدن بيد عيدروس ، وكل جماعة منتظرة دورها في السيطرة على شارع أو حارة لاعلان دويلتها.. نفط بايدي الغزاة وجُزر بايدي المحتلين ونقاط تفتيش بلا رحمة ولا حياء ولا خجل ولا ضمير ولا دين لاتفرق بين مريض بالسرطان والقلب والفشل الكلوي وامرأة وطفل وشاب وعجوز ومسافر لاداء العمرة والحج ومواطنون حولوا مسيرهم عبر راس الرجاء الصالح بعد ان تقاسمت كل المليشيات المحافظات والمدن والقرى والنقاط والاسواق والشوارع والمؤسسات والايرادات والثروات والعجيب ان طربال يفصل عبدة الريال هنا وهناك كما في تعز وغيرها.

قف عند حدك :
والعجيب في الامر ان كل الكانتونات الجديدة والالوية والاسلحة الضاربة والاستعراضات والمعارك العنيفة وضع لها خطوطاً حمراء لايمكن تجاوزها.

فقوات طارق عفاش في المخاء لم تستطع تحرير الحديدة رغم توغلها الكبير وعندما كادت تسقط الحديدة هددته امريكا وبريطانيا بالقصف وارغمته على التراجع نحو سبعين كيلوا كما قيل تحت شعار اعادة التموضع وحبكة استوكهلم .

وقوات الحوثي عندما ارادت ان تجتاح محافظة مأرب النفطية والغازية وتحررها رغم خطورة الهجوم والمعارك الطاحنة والضحايا من الطرفين لم تستطع تحرير المدينة لان المُخرج الدولي أوقفها على محيط مارب بأعتبار ذلك من الخطوط الحمراء.

حتى في تعز المعارك أشبه بالخيال العلمي ولعب الجهال ، جندرمة ماسكين شق من المدينة وآخرين ماسكين الشق الثاني وقصف وقراح وعبث بالوطن والمواطن وفي النهاية يفصل رفاق السلاح والدم والمال والمصالح " طربال" مايدعو الى أكثر من علامة تعجب واستفهام ، بينما اليمنيين الشرفاء ينتظرون سفينة النجاة والسلام .. فهل من رجل حكيم ؟.
shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس