بقلم/ د. أحلام عبدالباقي القباطي
ها هي ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة تدق الأبواب معلنة قدومها، والتي قامت من أجل: تحرير جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني وإجلاء القوات البريطانية دون قيد أو شرط.
مع إنهاء النظام السلطاني الذي كان يُعتبر رجعيًا ومرتبطًا بالاستعمار. بجانب عمل الثوار على التخلص من السيطرة الاقتصادية والسياسية التي مارسها الاستعمار البريطاني على الجنوب والمناطق المحتلة. من أجل بناء دولة وطنية حرة، عصرية، تتجه إلى العدالة الاجتماعية، والمساواة وتحسين الأوضاع المعيشية، لتمكين الشعب من السيطرة على مصادر ثرواته بعيدًا عن الهيمنة الاستعمارية. وضمان حق التعليم والعمل لجميع المواطنين دون استثناء. لبناء مجتمع متعايش يعترف بدور المرأة ومساواتها الحقوقية مع أخيها الرجل. وتوحيد الكيانات الجنوبية والتحرك نحو الوحدة اليمنية على أسس مشتركة، والتي تم تحقيقها بداية التسعينيات.

وللأسف، من المؤلم الاعتراف بأن الأوضاع اليمنية الراهنة تدل على أن اليمن أصبحت تحت ظل "الاحتلال الجديد"، احتلال لم يأتِ على ظهر دبابة أجنبية، بل تشكّل من داخل البنية السياسية اليمنية ذاتها، عبر أدوات داخلية مكنتها التحالفات الخارجية المجاورة والإقليمية، فظهرت قوى سياسية وقبلية ومناطقية وحزبية أعادت إنتاج الحكم السلطوي بثوب جديد، منقلبين بذلك على المبادئ الأصيلة التي خرجت من أجلها ثورة 14 أكتوبر، والتي تمحورت حول _تحرير الأرض من المحتل، وإقامة دولة مدنية، تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وصون السيادة الوطنية.
إلا أن ما كان في الماضي سلطنة تديرها قوى تقليدية خاضعة للاستعمار، عاد اليوم بصيغة سلطات أمر واقع تفرض نفسها بقوة السلاح أو بالهيمنة الحزبية أو الولاءات الجهوية، ضاربةً عرض الحائط بمبدأ الدولة المدنية القائمة على سيادة القانون والمواطنة المتساوية.

وتحولت القوى السياسية اليمنية إلى وكلاء لدول الجوار ولدول إقليمية ودولية، وتنازلت عن القرار الوطني مقابل دعم سياسي أو عسكري أو مادي، وهو ما يُعد خيانة دستورية صريحة، إذ تنص المبادئ الدستورية على صيانة استقلال وسيادة الجمهورية اليمنية.
من المؤسف الاعتراف بأن ما يجري في اليمن اليوم هو انقلاب فعلي على مبادئ ثورة 14 أكتوبر و26 سبتمبر المجيدتين وعلى الدولة والجمهورية، حيث تُرتكب انتهاكات جسيمة للسيادة، والعدالة، وحقوق الإنسان. وتتحمل القوى السياسية والسلطات القائمة المسؤولية القانونية والوطنية والأخلاقية أمام الشعب والتاريخ، لأنهم لم ينقلبوا فقط على ثورة 14 أكتوبر و26 سبتمبر، بل على السيادة الوطنية وحرية القرار و الحق العام والكرامة الشعبية والمستقبل.

إن الاحتلال الجديد كاستمرار للمشروع الاستعماري بوسائل داخلية، القوى التي حكمت عبر المحاصصة هي امتداد لمنطق الاستعمار: السيطرة على الثروات وتفتيت القرار الوطني، بل بيع الوطن واستيراد التبعية الخارجية. والذي أدخل اليمن في دور التابع لا صاحب قرار. كما أن التشرذم كأداة تفكيك الدولة والوطن، عندما تُفتّت الهوية الوطنية إلى ولاءات ضيقة قبلية وحزبية وعشائرية وإقليمية، وتغيب القاسم المشترك، وتُصبح الانقسامات أداة للاستبداد والتقسيم. وينتعش اقتصاد الحرب مقابل اقتصاد الدولة، الجهات المتنفذة تبني ثرواتها من الحرب نفسها—تُصدّر الصراع داخليًا ومن خارجه، وتُعوّل على النفوذ الخارجي لتثبيت مواقعها، بدل بناء اقتصادٍ إنتاجي يخدم المواطن. فضاعت السيادة الوطنية، وصودرت القرارات المصيرية لصالح قوى خارجية، حتى أصبحت اليمن مسرحًا للحروب بالوكالة وللنفوذ الإقليمي، وليس دولة ذات سيادة تحمي مصالح شعبها.

إضافة إلى ذلك، فإن حرب 1994 كانت محطة سوداء في تاريخ اليمن الحديث، إذ تم فيها تحويل مشروع الوحدة إلى غنيمة حرب بدلاً من كونه شراكة سياسية ومجتمعية قائمة على التوافق والعدالة. كما رسّخت الحرب ثقافة الإقصاء ومبدأ الغالب والمغلوب، مما مهّد لاحقًا لشرذمة البلاد وتقسيمها فعليًا تحت شعارات طائفية ومناطقية. فتم تسليع المعاناة وإفقار المواطن، فلقد تسببت سياسة اقتصاد الحرب ونهب المال العام وتغييب الدولة في انتزاع الكرامة المعيشية من المواطن اليمني، حيث بعد الوحدة تدهور الاقتصاد الوطني وارتفعت نسب الفقر والبطالة، وانهارت الخدمات الأساسية، في انتهاك مباشر للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكفولة بالدستور والقانون الدولي.

إن تفكيك الدولة عبر المحاصصة أصبح نظامًا سياسيًا قائمًا على الفئوية والقبلية والحزبية والطائفية، الذي بدوره كان معول تفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها إلى إقطاعيات سياسية، مما قضى على مبدأ الكفاءة والمسؤولية، وأعاق أي مسار إصلاحي حقيقي.

الدور المأمول من اليمنيين لاستعادة أمجاد ثورة 14 أكتوبر المجيدة وأهدافها
1. تصحيح مسار الوحدة اليمنية، بما يضمن حق جنوب الوطن، مع العمل على تحقيق وحدة وهوية وطنية مستقلة تعيد لليمن سيادته، وتنهي التبعية والانقياد للقرارات الخارجية، مع توحيد الكيانات الجنوبية والتحرك بشكل وطني لتصحيح الخروقات في حق الوحدة اليمنية على أسس مشتركة، وبما يضمن حقوق الجنوب كشريك أساسي فاعل ويضمن كافة حقوقه الكاملة، وتحل قضية الجنوب وفقًا لما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني، من خلال جبر الضرر وتطبيق نظام الأقاليم بشكل عاجل.
2. إعادة تأسيس الوعي الوطني الموحد، لا يُنهض الوطن بالمواطن الفقير المنهك والجوعان الصامت، بل بالمواطن الواعي الفاعل الذي يعرف حقوقه كاملة ويقوم بواجباته تجاه مجتمعه ووطنه؛ لذا لا بد من إعادة تأسيس الوعي الوطني الموحد، العمل على بناء خطابٍ وطني يجمع ويوحّد، لا يزرع الفرقة.
3. النهوض بالنظام التعليمي، فهو معول البناء الحقيقي، مع تنشيط القيم التي تؤكّد المواطنة لا الانتماء الضيق والتبعية للخارج، لأن الثورة في جوهرها كانت مشروع انتزاع حرية وطن وإقامة سيادته وتحقيق آدمية وكرامة وعدالة للمواطن.
4. الضغط على السلطة بالقانون والمساءلة المطالبة بقوانين مكافحة النهب المشروع والفساد وتجريف النظام المؤسسي، ودعم المؤسسات الرقابية والمجتمعية لفضح جريمة ممارسات المحاصصة ونهب المال العام.
5. العمل المدني والتشاركي، وتحفيز منظمات المجتمع المدني في الداخل والمهجر لتُشكّل قوى ضاغطة على السلطة، وبناء شبكات مواطنين تراقب توزيع الخدمات، تُطالب بالمساواة، وتُعلِم الناس بحقوقهم.
6. رفض الاحتلال اللاعلني - مقاومة النفوذ الخارجي عبر رفض الصفقات التي تبيع السيادة الوطنية تحت مسميات تمويهية، والتنديد الرسمي والشعبي بها. مع العمل على دبلوماسية موازية، تُظهر للعالم أن اليمن ليست ورقة ضغط يُمسك بها دول الجوار ودول الإقليم، بل صاحبة حق وسيادة.
7. تجديد المشروع الوطني وإحياء قيم ثورة 14 أكتوبر كمرجعية: السيادة الوطنية والحرية، العدالة، الاستقلال. وربطها برؤية معاصرة تُراعي التحولات العالمية وتُكيفها مع خصوصية اليمن، لا نقلبها شعارًا بلا محتوى.
8. إنشاء قوة عسكرية وطنية تحمي مكتسبات الثورة وتدافع عن الأمن والاستقرار، وتراعي معايير السياسة المستقلة والحياد، بالاتجاه نحو سياسة خارجية معتدلة لا تبعية ولا انحياز فيها، ولا ارتهان.

حول الموقع

سام برس