بقلم/ محمد شمسان
في هذه السطور التي أقدمها لتسليط الضوء على أبرز تجارب العمل الصحفي - ونجوم الصحافية اليمنية خلال الثلاثة العقود الماضية ، أجد نفسي مجبرا على تغيير أسلوب وطريقة السرد والتقديم لهذه التجربة التي أقف أماها باحترام وتقدير كبير ، لكونها تحتوي على قصة مثيرة للكفاح والجد والمثابرة - لنجم صحفي طموح غامره شغف المعرفة منذ طفولته ، وكان برغم الظروف التي تحيط به يندفع نحو عوامل المعرفة والتزود الثقافي بإصرار ومشقة حتى وإن كلفه الامر معاقبته بالضرب من قبل مدير مدرسته ، لتغيبه عن طابور الصباح واحيانا الحصة الأولى .
قصة يجب أن تدرس للأجيال القادمة كنموذجا للتضحية من أجل تحقيق الهدف الكبير ، وسأترك بطلها الصديق الحبيب والصحفي القدير يحيى نوري يرويها لكن بتفاصيلها المثيرة للإعجاب والتقدير .
" من الحافلة إلى رئاسة التحرير "
تبدأ القصة في منطقة "خميس مذيور مديرية الحيمة الخارجية " محافظة صنعاء على بعد ثلاثين كيلومتراً من صَنعاء، حيث لم يكن الوصول إلى المعرفة أمراً ميسوراً ، بل كان هدفاً يستوجب التضحية..
لم يكن ارتباطي بالصحافة مجرد قراءة عابرة ، بل كان عهداً يقطع حبل الروتين اليومي ، وكان الموعد عند مفترق طريق مرور حافلات شركة النقل البري من صنعاء إلى الحديدة ، تلك النقطة ، التي كانت تُلقي إليّ نسخة من صحيفة "الثورة" ، كَوعدٍ صامت بالمعرفة ووجبة دسمة للوعي الفكري ، من قبل أحد العاملين النبلاء ..
كان ثمن هذا اللقاء الروحاني هو ساعة انتظار كاملة، تُقتطع من وقت الذهاب إلى المدرسة ، وتكلّفني التغيّب عن طابور الصباح ، وفي كل مرة كان مدير المدرسة ينتظرني بعصاه لـ "يُكرمني" بضرباتٍ تذكرني بـ"ثمن هذا الشغف"..
كانت شرارة البداية حين أصاب الحافلة عطل فني في منطقتنا، لقد كانت فرصة لي لأقدم خدمة لا تُقدر بثمن: حملت الماء من البئر المجاورة لتخفيف حرارة محركها المتقد وفي المقابل، لم أطلب أجراً مادياً ، بل "نسخة من صحيفة الثورة". كانت تلك النسخة هي أعظم أجر مُنتظر ..
لقد قدّر لي القدر لقاءً آخراً كان نقطة تحوّل ، حين زار المنطقة دولة الأستاذ الفاضل عبدالعزيز عبدالغني رحمه الله وغفر له لافتتاح المدرسة الجديدة عام 1976م ، كان يرافقه نخبة من الإعلاميين، ومنهم الأستاذ الصحافي القدير رياض شمسان، رحمه الله..
تحدثت إليه ولزملائه بشغف عن كفاحي للحصول على نسخة واحدة من صحيفة الثورة وناشدت الأستاذ رياض أن يقنع إدارة التوزيع بـ "تفعيل التوزيع" في خميس مذيور، وفي أقل من أسبوع، استُجيب للطلب، وبدأ وصول عشر نسخ يومياً عبر حافة الخطوط البرية اليمنية .. لم أعد القارئ الوحيد؛ بل أصبحت المنطقة كلها على موعد مع "ثورة الكلمة"..
من هنا، بدأ المشهد السياسي والثقافي يتجلّى أمامي وبصورة أكبر ولم يعد الراديو كإذاعة صوت العرب من القاهرة وإذاعة عدن الوحيداتان التي أتزود من خلالهما بمعلومات عن كل ما يحتاجه فضولي ، بل أصبحت إلى جانبهما صحيفة الثورة وقد بدأت بمراسلة "الثورة" عبر البريد، بكتابات بسيطة ، احتضنها بكرم الأستاذ القدير عبدالرحمن بجاش أسأل الله أن يطول في عمره ، في صفحة "البريد" كما شجعني كثيراً الأستاذ رياض شمسان، الذي كان يشرف على صفحة "فنون ودراما"، على كتابة الموضوعات الفنية، فكانوا لي أساتذة بلا أسوار..
بعد الانتقال إلى صنعاء، لم ينقطع حبل المراسلة ، بل زاد اتصالي بالصحافة المحلية والعربية، فكان لي حضور في صفحات "الرأي" في "الثورة"، و"الميثاق"، و"الوحدوي"، و"الرأي العام" و"٢٦سبتمبر" و"صنعاء"، و"الشارع"، و"الأولى"، وغيرها..
وفي عام 1997م تكلّل الشغف بالانتماء للعمل الصحفي، حين التحقت بصحيفة "الميثاق" كمندوب للدائرة الثامنة عشرة بأمانة العاصمة، وأصبحت أوافيها أسبوعياً بأخبار الأنشطة والفعاليات ولا سيما المرتبطة بالانتخابات النيابية..
تطوّر الأمر إلى عضوية هيئة التحرير حيث أُسندت إليّ مسؤولية تحرير الصفحة التنظيمية، التي كانت نافذة تعكس الرؤى السياسية والتنظيمية للمؤتمر الشعبي العام، وتبرز أيديولوجيته الفكرية المتمثلة في "الميثاق الوطني"، ثم عُيّنت رئيساً لصحيفة "المؤتمر" الفرعية الصادرة عن فرع المؤتمر الشعبي العام في أمانة العاصمة..
ومع نمو خبرتي، تدرجت في المناصب:
سكرتير صحيفة "الميثاق"، ثم نائب لمدير التحرير ونائب رئيس التحرير..
بعد الأحداث العصيبة في أغسطس 2017م واستشهاد رئيس المؤتمر المؤسس الراحل علي عبدالله صالح، استأنفت "الميثاق" إصدارها تحت قيادة جديدة، ولقد حظيت بشرف ومسؤولية رئاسة التحرير بقرار من الشيخ صادق بن أمين أبوراس، وهو المنصب الذي أتشرف بشغله حتى اليوم، في ظل ظروف قاهرة وعصيبة يمر بها المشهد الصحفي في بلادنا..
رغم أن مؤهلي الأكاديمي لم يتجاوز الثانوية العامة القسم الأدبي، ولم أتخرج من كلية إعلام، إلا أنني تعلمتُ في "مدرسة الميثاق" على أيدي أساتذة يمثلون شموعاً في حياتي، أمثال الأستاذ عباس غالب رحمه الله، والأستاذ علي الحزمي، والأستاذ إسكندر الأصبحي والأستاذ أحمد الحبيشي رحمة الله والأستاذ فيصل الصوفي رحمه الله والأستاذ محمد اللوزي والأستاذ عبدالملك المروني رحمه الله والاستاذ راسل عمر القرشي والاستاذأحمد الرمعي رحمه الله..
وبهذه التجربة الأقل من متواضعة لقد أثبت أن عشق العمل الصحفي والمثابرة الصادقة والعشق الصادق لكافة جوانبه هو المؤهل الحقيقي الذي مازال يتعاظم في نفسي ووجداني وجعلني أحرص على مواصلة نشاطي إلى آخر لحظة من حياتي إن شاء الله .
إنتهى سرد الصديق والزميل العزيز يحيى نوري لتجربته الصحفية المثيرة ، ولم يبقى لي الا أن اسجل اعجابي بهذه التجربة وتقديري لطموحه في الوصول إلى هدفه النبيل وقد اصبح صحفيا محترفا ومهنيا ملتزما ومناضل شجاعا ، أتمنى له مزيدا من التوفيق والتألق والنجاح وله دوام الصحة والعافية .


























