بقلم / عبدالرحمن مراد
المصالحة الوطنية سؤال وطني أصبح ملحاً في الزمن الذي نحن فيه فالذي حدث أظنه كان كافياً في إعادة الأمور إلى نصابها والتفكير بروح السلام والمحبة وبقيم الخير والحق والعدل والسلام، لقد قالت لنا الأيام أن أحداث 2011م لم تكن إلا نتيجة منطقية لمقدماتها التي بدأت في الفترة من 90م- 94م ووصلت ذروة انفعالها في نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2006م التي على إثرها تشكل الحراك الجنوبي ومن بعده تداعت كل القوى السياسية إلى مؤتمر الحوار الوطني تحت مظلة اللجنة الوطنية للحوار الوطني والتي توافقت على مشروع سياسي نهضوي كان يحمل جواباً لسؤال الضرورة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ولم يكن إعراض النظام عن تلك الضرورات وعن قيم الحق والخير والعدل والسلام إلا ما شهدناه من أنهار الدم التي سالت وتسيل على ربوع ووهاد وهضاب اليمن، ولم يكن النظام مسؤولاً مسئولية كاملة عما حدث بل يمكن القول أن الأطراف السياسية الأخرى كانت تتحمل المسؤولية وإن بنسب متفاوتة فالقضية الوطنية كانت في مقامها الأول قضية أخلاقية وقضية ثقافية ومن بعد كل أولئك فهي قضية سياسية، وقد مرت تلك القضية بفترات زمنية يمكن تحديدها كالتالي: الفترة الأولى من 90م-94م والفترة الثانية من 94م إلى 97م والفترة الثالثة من 97م إلى 2006م والرابعة من 2006م إلى 2011م، وكل فترة كانت لها أسبابها التي تتمظهر فيها وحين التأمل نجد أن الجذر هو ذاته ولم تكن تلك التمظهرات إلا نتائج منطقية متنوعة لقضية جوهرية ذات جذر موضوعي لا ينفصل عن المحدد الموضوعي لمفردة العدل بكل معاني تلك المفردة من الخير والحق والسلام ومن الإنسانية فالغبن الذي وجده قادة المعارضة في الخارج جعلهم في حالة من حالات التوحش والانتقام كما نشهد تفاصيل ذلك في الإشارات والرموز التي تبعث بها الأحداث في حضرموت وعدن ولحج وفي الضالع وهي أحداث مؤلمة على غير توافق ولا تناغم مع الأبعاد الثقافية لأبناء تلك المحافظات ووصول الإنسان إلى تلك الحالة المتوحشة نتاج عدمية مفرطة ليشعر بها وهي تنتهي بمجرد تفاعل المعادل الموضوعي للحالة العدمية وهو الوجود، فالشعور بالقيمة والمعنى وبالفاعلية يقلل من النزعة الفطرية للإنسان وهي نزعة التوحش وما لم يحدث التوازن بين دوائر التطور التي يقول بها الفلاسفة وهي دائرة العقل المجرد ودائرة الدين ودائرة الفن فإن الحياة لن تستقر وبالتالي لن يستقر الوطن وسيظل في حالة التيه يدور في حلقة مفرغة.

ثمة متغير قد حدث وعلى كل الأطراف أن تعي ذلك جيداً لم يعد للفرد الواحد وللحزب الواحد وللرؤية الواحدة مكان ولا مكان للبطل الأسطورة والبطل المنقذ في خارطة الاهتمامات، فالواحدية في معناها السياسي والاجتماعي أصبحت تاريخاً ننظر إليه بقدر من التحقير والاستخفاف والتكيف مع الحالة الجديدة القائمة على التعدد والقبول بالآخر، والشراكة الوطنية أصبحت ضرورة ثقافية وسياسية واجتماعية والوصول إلى اليمن الجديد الذي أصبح شعاراً للمرحلة لا بد له من الوقوف على الماضي ومن ثم التطهر منه عن طريق النفي التاريخي حتى يمكننا القيام بعملية البناء الحضاري الجديد، وقبل البناء الحضاري لا بد من الوقوف على تفاصيل المشهد وحقائقه الموضوعية فالذي يتحرك في ديناميكيته الحرب والحرب نقيض لشعار الحدث الثوري في 2011م ونقيض للسلمية، وحين نقول الحرب فنحن نقيس

التجليات من خلال المحددات الموضوعية التالية:
المحدد الأول الاستسلام والاعتراف بهزيمة الواقع والإذعان له والشعور بعدم القدرة على المقاومة لبعض الأطراف السياسية وتلك الأطراف تكتفي بحالة الانبهار والدهشة وتبحث عن الحلول.
والمحدد الثاني لجوء بعض القوى إلى الحالة الا نكفائية وإلى البنى التقليدية ومن خلالها تنظم مقاومة مسلحة غير متكافئة وتلك القوى تنسحب من الزمن المعرفي المعاصر وتعود إلى الذاكرة في شكل احتجاج سلبي ومن خلال مرجعيتها تلك تحدد وعيها بالعالم وهي تتجاهل الفجوة الكبيرة بين الحاضر والماضي.
والمحدد الثالث وهو التكيف، أي تكيف بعض القوى السياسية مع حقائق الهزيمة تكيفاً إيجابياً فهي تتحاشى دائرة الاستسلام والانجرار إلى الانتحار وتحاول تنظيم مقاومة مدنية تستنهض عناصر القوة في الذات من أجل توظيفها في معركة تصحيح حالة الضعف التي تقود أو قادت إلى الهزيمة.

وأمام تلك الصورة المشهدية المهتزة والقلقة للمشهد السياسي الوطني والتي يختزلها القول بالشعور بالدونية والانكسار لبعض الأطراف والخوف الدائم للبعض الآخر والندية للبعض، والطرف الذي يشعر بالندية نجده يتجاوز دوائر الذات المتعلقة إلى دوائر الانفتاح على الآخر والتفاعل مع الظواهر والمستجدات فهو ممانع إيجابي وصل إلى قناعة ثابتة بعدم قدرته على إلغاء الآخر بل أصبح يعترف بوجوده، وحتى نتجاوز تلك الحالات الشعورية الخالقة للصراع لا بد للقوى السياسية أن تجنح للسلم والتصالح حتى تتجاوز شعورها بالدونية والخوف لتصل إلى الشعور بالندية، وبمثل حالة التوازن تلك نستطيع السيطرة على حالة الاستقرار وحبذا لو تبنت مؤسسة الرئاسة دعوة إلى المصالحة الوطنية وأحدثت حالة التوازن وعززت الشعور بالندية عند بعض الأطراف لعلنا نصل إلى حالة الاستقرار ونتمكن من بناء الدولة المدنية الحديثة ونحقق الشعار الذي رفعناه باليمن الجديد فطالما حلمنا بذلك اليمن الجديد الذي يتجاوز ماضيه ليصنع حاضره ومستقبله.
نقلا عن الثورة

حول الموقع

سام برس