بقلم/ وهيبة بوحلايس
بمجرد أن تم إعلان خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي سارعت وسائل الإعلام العربية الى بث تأويلاتها وتحليلاتها حول تداعيات هذا القرار الشعبي على الوطن العربي وكأن هذه الخطوة ستهدد ماتبقى من أمن وإقصاد دولنا العربية ،، لا يمكن أن ننكر أن ذلك أثر بشكل كبير على استثمارات شركات عربية وعلى رجال أعمال عرب أيضا لكن تأثير هذا القرار على المستوى السياسي والإجتماعي أعظم بكثير من تزعزع الجنيه الاسترليني أو ارتفاع نسبة التضخم التي من المتوقع أن تصل الى 5% في المستقبل القريب في المملكة المتحدة،،الفصل الأهم في هذه الخطوة هو تنامي الكراهية والعنصرية في أوروبا وبزوغ نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة مع تطور الخطابات العنصرية التي وجدت في أزمة اللاجئين المناخ الجيد لتمرير أجنداتها بكل سهولة وهو العامل الأساسي الذي دفع بالشعب البريطاني الى اللجوء بحزم أكبر نحو قرار التخلص من عبء أصبح يرهق كاهل المواطنين البريطانيين بكل وضوح فتدفق اللاجئين العرب الى أوروبا أجج الأفكار المطالبة بالانفصال كما أن قوانين الإتحاد تلزم كل الدول الأعضاء على المشاركة في تحمل الأزمات الإقتصادية التي لا تزال تعاني منها دول كاليونان وإسبانيا والبرتغال ورومانيا والمجر الأمر الذي دفع بالكثير من سكان أوروبا الشرقية الى الرحيل بحثا عن فرص أفضل في الدول المجاورة بمجهود مضاعف ورواتب أقل الأمر الذي ساهم في إرتفاع مستوى البطالة بشكل مخيف في عدد من الدول الأوروبية . لم تكثرت الأغلبية التي صوتت لقرار الإنفصال الى المخاطر والأزمات التي ستترتب عن ذلك خصوصا وأن العديد من وظائف المال والأعمال ستنتقل بشكل أوتوماتيكي الى فرانكفورت وباريس وحجتهم في ذلك أن الهزة الإقتصادية ستكون مؤقتة وسريعة ولن يشكل ذلك خطرا حقيقي بقدر المخاطرالتي ستنتج حتما بمجرد فتح الأبواب أمام اللاجئين .

إن تنامي العداء وظهور النزاعات والحركات السياسية العنصرية كحركة ” بيغيدا ” الألمانية التي تحارب فكرة أسلمة أوروبا بالاضافة الى تصريحات بعض السياسيين الأوروبيين والتي تعزز فكرة اللاسلاموفوبيا خصوصا بعد حادثة هجمات باريس على جريدة شارلي ايبدو وأحداث التحرش بمدينة ” كولن ” الألمانية دفعت بآلاف الأوروبيين الى الخروج في مظاهرات ترى في إستقبال اللاجئين تهديدا أمنيا وإقصاديا وسياسيا أيضا ،الأمر الذي أدى الى وقوع حوادث عنف في دول أوروبية مختلفة ضد اللاجئين والتي كانت تعتبرها الجهات الأمنية الأوروبية مجرد جنح .

من جهة أخرى شجع هذا الإنفصال اسكتلندا لتجدد مطالبها بإجراء إستفتاء آخر قريبا يهدف الى الخروج كليا من المملكة المتحدة حيث أعلنت رئيسة وزاء اسكتلندا ” نيكولا سترجن ” مؤخرا أن إستقلال اسكتلندا أصبح أمرا ملحا وضروريا خصوصا و ان أغلبية الإسكتلنديين صوتو للبقاء في الإتحاد الأوروبي بينما جاء القرار النهائي لبريطاينا بالخروج منه وهذا ما إعتبره الاسكتلنديون تجاهلا لرغبتهم .

لعل هذه الخطوة ستفتح الأبواب للمزيد من الأحزاب السياسية الأوروبية المتطرفة للمطالبة هي الأخرى بالانفصال أو بإجراء تعديلات على بعض القوانين والمبادئ التي يقوم عليها الإتحاد أبرزها سحب الجنسية الأوروبية من المتورطين أو المشتبه بهم في عمليات ارهابية كما حدث في فرنسا ،،وليس بعيدا عن بريطانيا لاتزال مطالب إقليم كتالونيا قائمة للانفصال عن إسباينا ، أمافي بلجيكا التي تتخذ المفوضية الأوروبية مقرا لهافي عاصمتها بروكسل لا يزال الصراع قائما بين الفلمنكيين المتحدثين باللغة الهولندية شمال البلاد وبين الولونيين المتحدثين باللغة الفرنسية جنوبا بهدف إقامة دولتين منفصلتين خصوصا بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالقارة الأوروبية زد على ذلك الضربات الأمنية التي وجهتها خلايا تنظيم الدولة والقاعدة الى الاوروبيين بالاضافة الى بعض الأسباب التاريخية المهمة والنزاعات العرقية ,,ولم تسلم إيطاليا أيضا من مطالبات انفصال المناطق الشمالية للبلاد وكما يبدو فإن رياح الربيع العربي عصفت بالجميع وإمتدت لتطال المناطق القريبة من الشرق الأوسط ، كنا نعتقد دائما أن اتحاد اليورو هو الأقوى إقتصاديا و سياسيا في المنطقة لكن يبدو أن الخلافات بدأت تطرق بقوة أبواب عواصم العالم الكبرى كلندن وبروكسل وأصبح التغيير أمرا ضروريا خصوصا وأن أمن القارة العجوز أصبح مرتبطا بشكل لا يقبل النقاش بأمن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا .

أعتقد أن لجوء الأوروبيين الى بناء الجدران العازلة والى سن قوانين عنصرية ضد اللاجئين والمسلمين بشكل عام أوالى التقسيمات لن يجدي نفعا في ظل الوضع الراهن في العراق ،سوريا وليبيا مع انتشار سطوة تنظيم الدولة على مناطق قريبة جدا من القارة الأوروبية كنت أفضل أن تلجأ كل من لندن ، باريس وبرلين الى ممارسة المزيد من الضغوطات على واشنطن وموسكو لإيقاف عمليات التشريد والقتل الممنهج في منطقة الشرق الأوسط وبهذه الطريقة ستضمن استمرارية الإتحاد كما وجب عليهم أيضا معاقبة الدول الاوروبية المتورطة في اشعال لهيب النزاعات التي لن تترك منطقة في العالم آمنة.
كاتبة جزائرية
* نقلاً عن راي اليوم

حول الموقع

سام برس