بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
تتعرض فرنسا للصدمة تلو الأخرى ، ويأبى الإرهاب إلا ان يُخيم في باريس ويجعل منها ساحة للدماء والدمار ، نازعاً أرواح شبابها وأطفالها ، محولاً فرحة ابناءها وأمنها واستقرارها الى جحيم ، واحتفالاتها الى مأساة ومنشئاتها الى أطلال والناس الى قرابين لجماعات الفكر الوهابي الضال الذي رضع وتشرب من ثقافته المسمومة عدد كبير من الشباب المؤدلج بالحقد والكراهية تحت يافطة القاعدة وداعش وبوكو حرام والنصرة وبيت المقدس وجيش محمد وغيرها من الديكورات واليافطات المظلمة التي احترفت مهنة الذبح والتفجير والتفخيخ برعاية أمريكية وبريطانية ودعم مالي وفكري سعودي لمدارس ومعاهد ودهاليز الفكر المتوحش لتنفيذ أجندات مشبوهة .

وما تفجيرات أحداث 11سبتمبر وغالبية منفذيها ذوي الجنسية السعودية إلا دليلاً قاطعاً على ان الإرهاب يدار بطريقة مممنهجة ، وان المجتمع الدولي ما يزال أكبر داعماً وأقرب نفاقاً وأكثر حماية لكل بؤر الإرهاب ، ومازال يتعامل مع الإرهاب بأكثر من معيار ، ففي حين يقف موقف الداعم والمشرعن في العراق وسوريا واليمن ولبنان ومصر وليبيا وبعض دول افريقيا ، نراه يندد ويشجب ويهدد لأي تفجير إرهابي في أوروبا ، ودول الخليج حتى لوكان التفجير لعبة مخابراتية للفت الأنظار بعيداً عن القتلة وداعميهم ، بعد ان بدأ العالم يعي لعبة الإرهاب!!؟.

ومازلنا نحن المواطنين البسطاء والمتابعين للجرائم الارهابية على مستوى الساعة نعايش المجازر والمذابح والتفجيرات الوحشية وأعمال القتل والخطف والسبي وتحويل النساء والأطفال والشباب المسلم وغير المسلم الى رقيق في عصر الحرية والمدنية أمام مرآ ومسمع المجتمع الدولي الذي أدمن التوحش وامتصاص دماء الشعوب من خلال أدواته القذرة التي وجدت اساساً لتدمير النسيج الاجتماعي وقمع حركات التحرر ونهب خيرات الدول واختراق سيادتها ، رغم الضجة الإعلامية والمؤتمرات الاستهلاكية لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتحالفات العربية والإسلامية والدولية المشبوهة التي دمرت الإنسانية وعرضت الامن والسلم الدوليين للخطر في سبيل تحقيق نزوات مريضة والهروب من المسؤولية القانونية والجنائية والانسانية.

ونظراً للصدمات المتتالية والجرائم البشعة التي هزت فرنسا ، سارع الرئيس الفرنسي هولاند ووزيري الخارجية والداخلية بالإعلان مباشرة عن الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة 84 شخصاً وإصابة 18 آخرين بشاحنة تعمدت " دهس" حشد جماهيري خرج ليحتفل ويشاهد عروضاً وألعاباً نارية بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني في مدينة نيس الفرنسية والذي راح ضحيته عدد كبير من الفرنسيين من بينهم جزائريين ومغربيين وتوانسه وروس وامريكان وجنسيات أخرى لم يفرق الإرهاب بينها.

حالة الطوارئ واليقظة الأمنية القصوى في فرنسا ، تستدعي مناقشة متأنية وواقعية لجريمة " نيس" بعيداً عن التسرع والاحكام المسبقة ، ورغم بشاعة الواقعة إلا ان التفكير يقود الى ان الواقعة تشمل احتمالين ، الأول اما ان تكون عملية الدهس جريمة منظمة نتاج تطور نوعي وأسلوب بسيط وجديد في تطور وسائل الإرهاب .. والأخر ربما تكون الحادثة غير مرتبطة بالإرهاب ، وانما نتاج حالة من السكر او النفسية او الحقد الاجتماعي ، لاسيما بعد ان قالت الداخلية الفرنسية ان السائق لم يلاحظ علية التشدد و ليس مسجلاً خطر أو في خانة الإرهاب ، وانما عليه سوابق سرقة وحالة عنف اسري ، مما يؤيد ان أجهزة المخابرات والامن الفرنسي تتحمل مسؤولية كبيرة في عدم القيام بمهامها واجراءاتها القانونية والاستثنائية من خلال تفتيش الشاحنة التي اتضح انها بدون لوحة ووجد بها بعض السلاح والسماح لها بتجاوز الخطوط الحمراء والدخول الى ساحة العروض وعدم احباط عملية الدهس ، والتسرع في قتل السائق مما يجعل القضية تقيد ضد مجهول او الصاق تهمة الإرهاب بالسائق قبل التحقيق لصرف الأنظار عن اهمال أجهزة الامن والتستر على متورطين ، مما يثير أكثر من علامة تعجب واستفهام.

ورغم الزخم الكبير لردود الأفعال المنددة والادانات وبيانات الشجب والاستنكار لدول الاتحاد الأوربي وامريكا والدول العربية والأمم المتحدة والمنظمات القانونية والإنسانية ، إلا ان أمريكا وبريطانيا والسعودية وقطر وتركيا لم تؤمن بعد بمحاربة الإرهاب ولم تتولد لدى هذه القيادات إرادة صادقة في اجتثاث منابع الإرهاب وتجفيفه ولكنها ماتزال تدعمه بالمال والسلاح والتكنولوجيا والمعلومة ووسائل التواصل الاجتماعي وتبرم صفقات وعقود وشراء الصواريخ والقنابل العنقودية والطائرات لتدمير دول في الشرق الأوسط والادنى وعلى مشارف حدود روسيا ، وتوعز لعلماء السوء والسلطان بتحليله فيها وتحريم الإرهاب في مناطق تدور في فلكها وتسبح بحمدها ، ولذلك مازال الإرهاب الذي يضرب القارة الاوربية في بدايته ، طالما تستمر تلك الدول وكذلك فرنسا وألمانيا وكندا في صفقات الأسلحة لدول مسعورة تصدر الإرهاب العالمي .

فهل آن الأوان للمجتمع الدولي ان يعزز جهوده في محاربة الإرهاب بإرادة صادقة ونظرة واحدة وعادلة لكافة صوره واشكاله وان يجتثه بعد ان فتح له المدارس والمعاهد في الرياض وصدرة الى أفغانستان في الثمانينات تحت مسمى الجهاد الزائف من اجل الجندي الأمريكي الأشقر ، ثم انتشر كالسرطان في المعمورة .. أملنا كبير؟

حول الموقع

سام برس