بقلم/ د.اكرم العجي
قادتني الصدفة اليوم إلى زيارة أحد مشرفي أنصار الله بأحدى النقاط الأمنية وأثناء وصولي وجدت المشرف ورفاقه يتناولون وجبة الغداء - غداء متواضع جدا وفي أكياس بلاستيكية- وما أن انتهوا من الغداء إلا واتجهوا إلى أكياس القات- كما هي عادة معظم اليمنيين- المهم والأهم في الموضوع هو ما دار بينهم من حديث وما سمعته أذناي من كلام ، فعندما شرع المشرف في غسل قاته اردف قائلا القات اليوم غير جيد ( أي أنه بقشة أو بكور كما يسمى في بعض مناطق اليمن) رد عليه شخص من أنصاره نعم، لكن لقد أصبح كل رديء جيد وحلو في سبيل الله..!! فأجاب المشرف نعم..!!.

لم يثرني الكلام بقدر ما أثارتني كلمة في سبيل الله...
لقد حركت بداخلي تلك الكلمة العديد من التساؤلات التي لم أجد لها إجابة إلا عند من لبسوا عباءة الدين لتحقيق غاياتهم ومقاصدهم.

هل أنصار الله وغيرهم ممن لبسوا عباءة الدين وممن يتشدقون ليلا ونهار بإنهم حماة الدين وحراس العقيدة وبأنهم مجاهدون في سبيل الله يعون ما يقولون؟.. أم أنهم يدركون ذلك ويتجاهلونه بقصد إثارت عواطف الناس بإسم العقيدة وكسب تأييدهم ومواقفهم. أكيد الكل يعلم ذلك ، فالإنسان لا يستطيع أن يستغل أخيه الإنسان من غير حجة براقة يستر بها استغلاله، وهو بذلك يختلف عن الحيوان، فالحيوان يأكل ولا يبالي. أما الإنسان فهو يأكلك ويدعي أنه في سبيل الله وفي سبيل الحق والحقيقية كما أخبرنا بذلك المفكر العربي علي الوردي.

لقد اتخذ كل فريق من الدين سلاحا بيده يحارب به خصمه، فلقد قتل الحجاج الناس وهو فخور، فهو ينتصر للإسلام بسيفه كما زعم. واليوم السني يقتل الشيعي والشيعي يقتل السني وكلا يدعي أنه ينصر الإسلام والإسلام بريء منهم ومن أعمالهم كبرائة الذئب من دم يوسف، و أنه مجاهد في سبيل الله. وعلى نفس المنوال يقتتل الإخوة الخصوم في اليمن فرقاء السلطة وكلا يدعي أنه مجاهد في سبيل الوطن .وكلا منهم يدعي بأنه صاحب الحق والحقيقة، وهذه هي طبيعة النفس البشرية فحين يتنازع الناس حول حق من الحقوق إنما ينشدون به مصالحهم...فإذا تناقض الحق مع المصلحة كانت المصلحة أولى بالاتباع.

الدفاع عن الأوطان من أعداء الداخل والخارج جهاد وواجب مقدس، لكن المقدس قد يصبح مدنس ويفقد صفته الجهادية عندما يستغل الهدف النبيل - الدفاع عن الوطن- لتحقيق أهداف ومصالح خاصة أو عندما يدعي طرف أنه على حق وغيره على باطل، فكل فريق ينظر إلى الحق من وجهة نظره الخاصة ويأتي بالأدلة العقلية والنقلية لتأيد رأية..ففي وطنا الجريح فريق من الناس ينظر إلى جماعة أنصار الله وحلفائهم بأنهم أصحاب الحق بحجة أنهم من دافع عن الوطن والمواطن جراء العدوان السعودي الغاشم، وهم بذلك يستحقون لقب المجاهدين في سبيل الله.

أما الفريق الآخر فقد نظر إلى الحق من الجهة المعاكسة رأوا هادي ورفاقه أصحاب الشرعية، وقد انقلب عليه أنصار الله ومن إليهم وهم من يستحقون لقب المدافعون عن الوطن والمجاهدون في سبيل الله، كون الدفاع عن الأوطان من أعلى مراتب الجهاد. الجميع يدور في حلقة مفرغة أيهم الحق والأحق بالسلطة والحكم وفي هذه الحلقة تاهه الجميع واختفت الحقيقية.

كل فريق ينظر إلى الحق من جانب، وكل جانب لا يستطيع فهم الأخر وسفينة نوح تكاد تغرق بمن فيها...!! وقد أصبح كل مر ورديء حلو في سبيل الله وسبيل الدفاع عن الوطن كما يزعم إخواننا المجاهدين.

نعم لقد أصبح كل رديء وقبيح جيدا وحلو في سبيل المصلحة الخاصة ، أما الله فهو غني عن الجمبع وعباده أغنياء عن كل من يتاجر بالدين لتحقيق أهدافه واطماعه، والتجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات الجاهلة كما قال الفيلسوف العربي إبن رشد.

الجهاد في سبيل الله أسمى وارفع مما يزعم المرجفون...الجهاد في مجمله مبني على تحري العدل بين الناس ورفع الظلم عنهم وتحقيق المساواة ، لا أن تنتصر فئة على أخرى، لكي تملي شروطها وتضع قيودها على الآخرين.

ليس من الجهاد أن يعيش أرباب النزاع حياة البذخ والترف و العوام يتجرعون أقسى انواع الذل والحرمان ويتضورون جوعا ليلا ونهار... ليس من الجهاد أن يساق البسطاء إلى ساحات الموت ومن يدعون بأنهم كبار المجاهدين والثائرون ﻹنقاذ الوطن محصنون في منازلهم أو يدافعون عنه من وراء الحدود.

وليس من الجهاد أن تتاجر الحكومات بحقوق أبناء الوطن ومعه تنتزع أرواحهم وتنهب خيرات ومقدرات بلادهم.. أجزم بأن ما يمسى اليوم جهادا في سبيل الله بأنه جهادا في سبيل النفس والهوى جهاد من أجل تحقيق الاطماع وجني الأرباح وصنع الجاه والوصول إلى الحكم، وما الوطن والدفاع عنه إلا شعار لتحقيق الغايات المنشودة وتحت الشعارات تغتال وتختفي الحقائق..!

إذا كان هناك من عمل يرتقي إلى منزلة الجهاد في سبيل الله بالنسبة للمتنازعين على السلطة في وطنا الجريح، فهو تقديم التنازلات من أجل الوطن ومن أجل الشعب المغلوب على أمره، الشعب العايش بين القهر السياسي والاجتماعي والديني، قهر حكوماتة المنقسمة وقهر مجتمعه المتشظي ومعيشته النكدة، قهر أصحاب العمائم واللحى المتدلية قهر المتشدقون بإسم الدين البعيدون عن تعاليمه ومنهجه.

حول الموقع

سام برس