بقلم / أحمد عبدالله الشاوش

استطاعت وسائل الاعلام" السعودية" ان تضلل الرأي العام الخليجي والعربي والدولي في تصويرها واختزالها للصراع بين الرياض والدوحة بانه صراع ضد "  الارهاب " الذي تمارسه وتدعمه دولة قطر بالمال والسياسة والدبلوماسية والاعلام، مستشهدين في ذلك بما تروج له قناة الجزيرة من " فتنة أرقة حكام السعودية والامارات ومصر وقوضت الامن القومي العربي بدعم الاخوان المسلمين وكذلك التنظيمات الجهادية في سوريا وليبيا وغيرها من  دول الشرق الاوسط اثناء تبنيها لمشروع الربيع العربي الذي كان في حقيقة الامر بضوء أخضر امريكي وغرفة عمليات مشتركة مع واشنطن وتل ابيب  .


 كما أدرك المشاهد  والمتابع العربي الحليم على مدار الساعة الحراك السياسي الكبير والدبلوماسي المرعب في التسابق على توظيف المنظمات الدولية وشراء مواقف المنظمات الحقوقية والانسانية واعداد كتيبة من الناشطين ورجال الصحافة والاعلام المفلسين والتيوس المستعارة من المحللين وتنظيم المؤتمرات والاحتجاجات المبرمجة لتضليل الرأي العام العربي والدولي عبر امبراطورية الاعلام السعودي المتمثلة في قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز الاماراتية وعدد من الفضائيات المصرية وبعض الصحف الامريكية والبريطانية  التي تدور في فلك الريال السعودي والدرهم الاماراتي والدولار الامريكي لجعل تهمة " الارهاب" " حصرياً " بدولة قطر والتغطية على " الارهاب " السعودي ومحاولة اخراجها كالشعرة من العجين ، رغم ان امبراطوريتي "الرياض والدوحة " وجهان لعملة واحدة لظاهرة الارهاب الذي ابكت كل بيت عربي ومسلم.


ولذلك يعتقد البعض ان اسباب الازمة السعودية مع قطر كما يسوقها بعض السياسيين ووسائل الاعلام السعودية والدولية هو ارتباط قطر بجماعة الاخوان المسلمين والتنظيمات الجهادية وحركة المقاومة الاسلامية " حماس" وتحالفها الاستراتيجي مع ايران وجماعة الحوثي وفوضى الربيع العربي لمغالطة شعوبها ولفت انظار الرأي العام بعيداً عن السبب الحقيقي المتخفي وراء ثقافة حكام آلـ سعود منذ مؤسس المملكة الاول جدهم عبدالعزيز الذي جعل السيف رمزاً لإسالة دماء الابرياء ووسيلة لأسقاط دول الجوار وترويع شعوبها وضم اراضيها بالقوة تحت راية" التوحيد "!!؟ وسياسة الهيمنة" والتسلط والاستبداد والاطماع السياسية والجغرافية في اليمن والامارات وقطر وسلطنة عمان والكويت وعدد من دول المنطقة  خدمة للصهيونية العالمية التي تديرها واشنطن ولندن مقابل البقاء في كراسي" الحكم" .


لا ننكر ان قطر تبنت ودعمت جزء من التنظيمات والجماعات الارهابية والمتشددة في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر ومولت مؤتمرات واحتجاجات ومظاهرات لتحقيق مصالح شخصية وتنفيذ اجندات دولية بالواضح بتأييد امريكا واوروبا ومعرفة الدول الخليجية ،، كما قدمت الدوحة الدعم والتمويل ايضاً لحركات المقاومة والتحرر مثل حماس وحزب الله وغيرها ضد العدو الصهيوني الغاصب ‘ إلا اننا نستغرب " الان" عمليات التضليل والفبركة ومحاولة تزييف العقل العربي والهجمة الشرسة والانتقام المريع على أمير قطر وشعبها ، لأنه قال " لا" للهيمنة السعودية ، وتباطئه في دفع " الجزية" للخليفة ترامب مقابل البقاء في عرش قطر كأمثاله من الخليجيين.


ونتيجة للمشهد المرعب والحملات الاعلامية المروعة والمقاطعة السياسية والحصار الاقتصادي الكبير  للدول الاربع ومحاولة قلب النظام من الداخل وتصدير الشائعات وتمويل المعارضين والتصريحات المتوالية في وسائل الاعلام والاتصال لوزير الخارجية السعودي " المراهق " عادل الجبير واستعراض تغريدات لـ " المدلوز " ضاحي خلفان في " تويتر" تصور الوجه البشع والسقوط الى لهاوية لشخصية قيادية كبيرة جسدت دور " المُفلس" ، وارتفاع " حمى" وزير خارجية الامارات " قرقاش" بالإفراط في التهديد  والوعيد وتنفيذ الشروط الـ 13 التعجيزية والتلويح بالمهلة الاخيرة وإعادة قطر الى بيت الطاعة !!؟  وانفراط العقد ونفد صبرنا والتلويح بالقطيعة والتخوين بنكث العقود واستئجار ونقل محتجين ومتظاهرين ضد قطر في الدول الاوربية يوضح مدى الانحطاط السياسي العربي والسقوط الاخلاقي الرسمي والحقد العربي الاعمى والرهان الزائف على " الولايات المتحدة الامريكية" وتحويل الخلافات " الـشخصية" الى أزمات تدفع ثمنها الدول والشعوب لغياب الرشد السياسي والقيم الدينية والاخلاق السامية والتعايش السلمي.


 في حين استطاعت قطر ان تمتص " الصدمة " وتدير الازمة باتزان وتخوض المعركة بهدوء وتروض وزير الخارجية الامريكي أثناء لقائه بأمير قطر بالدوحة بإتفاق يقضي بمكافحة " الارهاب " الذي مثل " صدمة" أخرى  للسعودية والامارات والبحرين ومصر ، ليصبح كل داعمي وممولي " الارهاب " هم انفسهم مكافحي الارهاب وتقيد كل الجرائم والمذابح والدمار والاختطافات والاعتقالات وغزو البلدان الى قضية ضد مجهول على غرار تعامل أجهزة الامن والبحث العربية ضد المعارضين ومنتقديها ، وفي افضل الاحوال تقييدها ضد شعوب بريئة ضرجت في دمائها عند كل تسوية سياسية بعد ان تحول مصطلح " الارهاب "  الى مجرد " فيزا كرد"  دولية بيد ترامب ووسيطة تيلرسون وعدد من تجار الحروب .


ولذلك لم تعد الشقيقة الكبرى " السعودية" مرض عارض كما وصفها الكاتب والصحفي الكبير المرحوم محمد ردمان الزرقة رئيس تحرير صحيفة الثورة اليمنية في التسعينات بالـ "صداع" في اذى اليمنيين ، بل نرى ان الشقيقية الكبرى دخلت مرحلة " السُعار " الكلبي وحان عزلها بعد ان امتدت أيضاً خلاياها السرطانية الى كل بقاع العالم العربي والاسلامي وماتزال خلاياها الفكرية المسرطنة تنخر في باكستان وافغانستان واندونسيا وموريتانيا والفلبين والسودان والجزائر والمغرب وقطر وعبر شبكات التواصل الاجتماعي ، كما انها ترعى مع الراعي في الامارات وسلطنة عمان والكويت  وما ان تختلي بفريستها تقفز كالذئب ،، وتنهش في لندن التي تتستر مخابراتها ورئيسة وزراءها الحالية ومن سبقها عن  التقارير الحقيقية والبصمات الارهابية والدعم اللامحدود لتلك التنظيمات من قبل حكام الرياض ، في ظل سياسة شراء الذمم والفكر الوهابي واصلت خلايا الرياض المتشددة تفجيراتها في باريس والمانيا والنمسا وامريكا وغيرها بعد ان تحولت قيادات ونخب العالم الى سلعة رخيصة في سوق النخاسة الدولي.


صحيح ان  الفجوة بين السعودية وقطر كبيرة وان الخلافات السياسية أكبر لاسيما بعد انقلاب الامير حمد بن جاسم على والده الذي فضل سياسة عرض الحيط  في ظل توحش غير طبيعي من صقور الـ سعود الذين تشربوا ثقافة الدم والاغتيالات والمعتقلات وقمع حرية الرأي والتعبير وسياسة الهيمنة ، وماغاضهم هو عدم انقياد وتبعية الامير " تميم " للإرادة السعودية ورغم ان الرياض او ل من انشأ واحتضن ودعم الفكر الوهابي المتطرف وصدر خلاياه الى دول الشرق الاوسط وسعى الى الضغط على الدول الضعيفة والتابعة الى تعيين الكثير منهم في أجهزة الامن والاستخبارات وفي مقدمتها اليمن من ايام الرئيس اليمني عبدالرحمن الارياني ومحاولة الرئيس ابراهيم الحمدي الحد من الضغوط السعودية وتم التآمر عليه وتصفيته عبر سفارتها في صنعاء ولكنها استطاعت ان تدفع باذيالها في الاجهزة الامنية والجيش اليمني وجندت المشائخ بعد ان ضغطت على الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تعامل معها بلعبة القط والفار في حين فشلت سياستها في احتواء قطر التي لا تتعدى حدودها الـ 11500 كيلو متر مربع والثلاثمائة الف نسمة أو يزيد مما شكل لها نكسة كبيرة وكابوس مرعب على مدار الساعة.


والمشاهد اللبيب يلحظ ان فتيل الازمة بين السعودية وقطر لم يكن وليد اللحظة ، إلا ان فتيل الازمة اشتعل بعد زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى الرياض والاستقبال التاريخي له والمبالغة في الحفاوة بزوجته  "الانيقة وابنته الجميلة التي صدمت اصنام  الخليج  وغلمانهم وبقية فرقة حسب الله الذين تم جمعهم من سفها 56 دولة عربية واسلامية لمبايعة خليفة المسلمين  الجديد " ترامب ".. هذه  المجاملة الكبيرة والحفاوة البالغة والخضوع المريع جعل ترامب يتجرأ بفرض أكثر من تريلون دولار على السعودية والامارات والبحرين وقطر مقابل " جزية" وفي رواية  " حماية" مقابل بقاء محنطي الخليج في " كراسيهم" في مقابل دعم الاقتصاد الامريكي وامتصاص البطالة وانجاح تعهدات ترامب للشعب الامريكي في حملته، فسارع اصنام السعودية الى دفع 460 مليار دولار تحت ايقاع الصفقة علناً في حين دفع البعض سراً وتريثت او ما طلة " قطر "!!


فسخط الخليفة ترامب على والي قطر " تميم" معطياً الضوء لحكام نجد والامارات والبحرين لمهاجمة وتعرية وتشوية سمعة قطر ورأت مصر الفرصة سانحة للانتقام من عدو أرق نومها ودمر مؤسساتها وروع وفجر جيشها بشن حملة اعلامية كبيرة تتهم قطر بالإرهاب تحت عناوين العلاقات مع ايران وتدمير امن الخليج واغلاق الجزيرة ودعم جماعة الاخوان المسلمين والمتطرفين في سوريا وليبيا والعراق ومصر ، رغم ان الجميع يعلم ان بصمات قطر واضحة كوضوح الشمس في تبني فوضى الربيع العربي والدور السلبي لقناة الجزيرة ودعم المتطرفين في بعض دول الشرق الاوسط .


إلا ان العجيب والغريب في الامر ان السعودية بعد ان دفعت الكثير من الاموال للجلاد الامريكي ورجمت بعض القطع الذهبية لإخراس بريطانيا واخرى لألمانيا في صفقات سلاح تحاول غرس رأسها في التراب لإخفاء رصيدها الاجرامي وفكرها الارهابي ، ففي حين تدعم الاخوان المسلمين والمليشيات لتدمير الدولة " اليمنية " وقتل شعبها وتشريده ، تقاتل الاخوان المسلمين في " مصر " على مدار الساعة ، وبينما تتهم قطر بالإرهاب بدعم النصرة والشام ،، تمارس هي أيضاً " آفة" الارهاب وتدعم القاعدة وداعش وغيرها في سوريا والعراق ولبنان ،، أمام العالم.


في حين تحمل دولة الامارات نفس بصمة " الارهاب " وتشاطر " السعودية وقطر " نفس المرض والسيناريو التخريبي المعد من غرفة عمليات " واشنطن" وفقاً لاختلاف " المصالح " ، حيث يدعم حكام الامارات عدد من الجماعات المتطرفة من السلفيين المتشددين



ومليشيات الحراك وغيرهم في اليمن لاسيما في محافظات عدن وتعز ومارب وحضرموت وسقطره وغيرها بدليل ما حصل عليه الجيش اليمني من وثائق سرية سابقة أثناء هجومه على اوكار القاعدة وداعش في حضرموت وبينت مراسلات تورط الامارات في دعم بعض الجماعات المتطرفة والموالية له من القاعدة وداعش مما جعل اليمنيين يستغربون قذارة الغزاة في حين تواصل الامارات توحشها وتغرز انيابها في الغابة الليبية مشكلة ثالوث رهيب مع قطر والسعودية لإراقة دم الشعب الليبي  للسيطرة على سيادة الاخرين وتحت ذريعة الشرعية الزائفة ومحاربة الارهاب بعيداً عن القوانين الوطنية والدولية والانسانية وتحت اشراف وتشجيع الدول الخمس الكبرى ومنظماتها الدولية التي تاجرت بالأوطان وثروات الشعوب الضعيفة.


لقد دفعت قطر ثمن تأخرها عن تسديد الجزية وفهمت لعبة خليفة المسلمين الجديد ترامب الذي بايعته عشرات الانظمة المستبدة وخضعت له رقاب علماء مكة واخوان تركيا وسلفيي الامارات ولم يشفع للدوحة سيناريو الربيع العربي  البشع بل أمعنت دول " الهيمنة" في  حصارها الجوي والبحري والبري ومقاطعة سياسية ودبلوماسية مرعبة وحملة اعلامية فاقت الجزيرة  وتهدئة قطرية وتعقل دبلوماسي فرضها الواقع المؤلم  لإدارة الازمة ومحاولة الخروج منها باقل الاضرار ..صحيح ان الشقيقة الصغرى قطر صدعت شقيقتها الكبرى بعد ان دافعت الدوحة عن ارادتها وسيادتها وحاولت ان تخرج من العباءة السعودية التي تم تفصيلها في واشنطن إلا انها للأسف الشديد أرادت التدخل في سيادة الاخرين والحد من ارادتها ، ورغم علاقات قطر مع امريكا وايران وتركيا وقاعدة الاخوان المسلمين العريضة ، إلا ان الخروج من " المستنقع" ليس سهلاً  فالجرح قديم وعميق وترامب غرز يده والقطيعة قائمة والازمة طويلة والطريق غير معبد والتكلفة أكبر مما نتصوره رغم الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الامريكي تيلرسون بين دول الخليج ، وكل المؤشرات تجسد عقلية التاجر الامريكي والوسيط الغير" نزيه "وان لقاءاته لا تصب في احتواء الازمة سريعاً وان قطر فهمت ما يرمي اليه وصرحت بإن لديها 340 مليار دولار احتياطي غير النقدية والاصول وهو ما غير الموقف الامريكي المتشدد وجعل من قطر شريكاً في محاربة " الارهاب" وهو ماولد صدمة للسعودية والامارات والبحرين ومصر .


فهل يعي حكام  قطر الدرس الامريكي القاسي والانتقام السعودي المتوحش والدور الاماراتي المهين والبحريني التابع ، وهل يدرك الـ سعود حجم مؤامراتهم التي عصفت بالدول العربية والاسلامية من ايام عبدالناصر مروراً بإيام السادات ومقاطعة السلام وحرب ايران والعراق وغزو الكويت وتدمير سوريا والعراق والتورط في اليمن .


 وهل يستحضر ابناء زايد المتهورين والطامعين الجدد ضمائرهم وقيم والدهم حكيم العرب الشيخ زايد .. وهل يعود حكام العرب الى الرشد لأغلاق باب الفتن وفتح أبواب الحوار والتسامح والتصالح وتعمير ما دمروه وصولاً للسلام ، مالم فالخليج غُثاء كغُثاء السيل ، وكما دفعت الشعوب المسالمة والدول الامنة جزءاً كبيراً من دمائها واموالها واعراضها لحماية اوطانها فإن عدالة السماء والقوانين الانسانية أقرب من حبل الوريد ، والمؤشرات والوقائع التي تلوح بالأفق تؤكد  ان السحر بدأ ينقلب على الساحر وان الرياض وابوظبي وقطر والبحرين في وضع لا تُحسد عليه والجزاء من جنس العمل ..وان ربك لبالمرصاد.


shawish22@gmail.com


حول الموقع

سام برس