بقلم/ عبدالباري عطوان
ما هي الرسالة الإيرانية التي صدمت المفاوضين السعوديين في بغداد حول حرب اليمن؟ وهل يعني بيان الاحزاب اليمنية الستة المدافعة عن مأرب اعترافا بالهزيمة ومقدمة لفك الارتباط بالتحالف السعودي وحكومة الشرعية؟


اذا كان هدف المملكة العربية السعودية من اثارة قضية تصريحات الوزير جورج قرداحي حول عبثية الحرب اليمنية هو تحويل الانظار عن خسارتها وحلفائها، لمعركة محافظة مأرب الاستراتيجية، فإن ما حدث هو العكس تماما، من حيث تسليطها الأضواء على هذه المعركة، والانقسامات الضخمة في صفوف المعسكر اليمني المناهض لحركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها، مما يعني ان سقوط المدينة بات قاب قوسين او ادنى.

تطوران رئيسيان مفاجئان في هذا المشهد يعكسان الموقف اليائس للتحالف السعودي والحكومة “الشرعية”، ويمكن ان يكونا مؤشرا لقرب نهاية الحرب ان لم يكن في كل اليمن، ففي مكونه الشمالي على الأقل:

الأول: البيان الذي أصدرته، وللمرة الأولى، ستة أحزاب يمنية رئيسية (الإصلاح، المؤتمر الشعبي العام “فرع الداخل”، الاشتراكي، الناصري، البعث) واتهمت فيه ان التحالف السعودي وحكومة هادي الشرعية بالفشل في إدارة المعركة في مأرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا واعلاميا، ويتحملان المسؤولية كاملة لكل ما ينتج عن هذا الخذلان المخزي.

الثاني: سيطرة تحالف حركة “انصار الله” على مديرية العبدية، بعد سيطرتهم على مديرية الجوبة، مما يعني ان قلب مدينة مأرب بات محاطا من ثلاث جهات من قبل قوات حكومة صنعاء، وبات حسم المعركة لصالحها وشيكا جدا.

هذا البيان السداسي في نظرنا اكثر خطورة وايلاما بكثير من كل ما ورد في تصريحات الوزير قرداحي، لأنه يشكل هجوما شرسا، وربما تمردا، من قبل الأحزاب المشاركة في التحالف، وحكومة الرئيس هادي “الشرعية”.

الوزير القرداحي تحدث عن عبثية الحرب وقال ان الحوثيين يدافعون عن انفسهم في مواجهة عدوان يستهدفهم، ولكن هذا البيان، اتهم التحالف السعودي بعدم الكفاءة وسوء ادارة الحرب، وهذا يعني حرفيا التشكيك بكل جهود هذا التحالف طوال السنوات السبع الماضية، والاعتراف بالهزيمة، ليس في مأرب فقط، وانما في كل اليمن.

لا نبالغ اذا قلنا ان هذا البيان أصاب التحالف السعودي الذي يقاتل في اليمن بقواته، وقوات الجنجاويد و”بلاك ووتر”، وطائرات “اف 16” و”اف 15″، وخسارة اكثر من 250 مليار دولار على مدى السنوات السبع الماضية، بطعنة في الظهر غير متوقعة.

هناك عدة تفسيرات لهذا البيان السداسي، ابرزها ان مقاتلي الاحزاب الستة الذين يدافعون عن مأرب، ويحاولون منع سقوطها في ايدي حركة “انصار الله” وقواتها، أصيبوا بالإحباط من جراء الإدارة المتقدمة للمعركة من قبل القيادة الحوثية، وسقوط المديريات الرئيسية الواحدة تلو الأخرى، وادركوا ان دخول قوات حكومة صنعاء للمدينة بات وشيكا جدا، ولهذا بدأوا التمهيد للنأي بأنفسهم عن التحالف السعودي، وفك الارتباط مع حكومة هادي الشرعية، وربما الانخراط مستقبلا في الحوار مع “انصار الله” لتقاسم السلطة بطريقة او بأخرى.

مصادر يمنية مقربة من القيادة الحوثية كشفت لـ”راي اليوم” عن السر الحقيقي وراء هذه الغضبة السعودية العارمة ضد لبنان و”حزب الله”، وقالت ان الإيرانيين اكدوا لمفاوضيهم السعوديين في جولات الحوار التي جرت بين الطرفين في العراق، ان ملف اليمن يديره “حزب الله” في لبنان، ولا دخل لإيران فيه، واذا أرادوا انهاء الحرب فإن عليهم التفاوض مع قيادة الحزب في بيروت، فهم أصحاب الكلمة الفصل في هذا الملف، وهذا ما يفسر انهيار هذه المفاوضات، وعدم تحديد أي موعد جديد للجولة القادمة منها، والهجوم الشرس الذي شنه الأمير فيصل الفرحان وزير الخارجية السعودي على ايران و”حزب الله” وهيمنته على القرار في لبنان في مؤتمره الصحافي على هامش قمة العشرين في روما، جاء انعكاسا مباشرا لهذه الصدمة الإيرانية.

للمرة الثانية نؤكد ان الوزير قرداحي كان مجرد كبش فداء، وتصريحاته اتُخذت كذريعة، وخيبة الامل السعودية وما ترتب عليها من غضب مثل سحب السفراء كان مجرد قمة جبل جليده لا اكثر ولا اقل، فآخر ما توقعته القيادة السعودية ان تكتشف وبعد ثلاث جولات من المفاوضات مع الإيرانيين في العراق، ان عليهم التوجه الى “السيد” في الضاحية الجنوبية اذا أرادوا الخروج من مصيدة الحرب في اليمن.. والله اعلم.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس