بقلم/ احمد الشاوش
عجيب امر بعض الناس .. تكلمه .. تفهمة.. تشرح له .. تجي له شمال .. تجي له يمين .. تسوق له الادلة والبراهين ، لكنه يظل قفل غثيمي.. ومابش فايدة ، رغم ان المثل اليمني يقول لكل حالة مقالة وكل دقة برع.

وكما قال الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح للرئيس السابق عبدربه منصور هادي ، " علمنا .. علمنا .. فهمنا .. فهمنا .. ماشي.. عنده مناعة ضد الفهم.

تناقش شخص في مواقع التواصل الاجتماعي أو في مجلس قات او بوفية عن موضوع سياسي أو مسألة دينية أوثقافية يقلك انت مؤتمري ، أكيد عفاشي وآخر انت حوثي مجوسي ورابع انت اصلاح داعشي ، وجرلك يابي جر كم سعيدة في سوق البيض ، بالرغم أن ادب الحوار له أصول ويقتضي الانصات والاحترام والرد بأدب ولياقة حتى وان كان الشخص الذي يناقش يتبع هذا الحزب اوذاك ويحب هذا الزعيم اوذينك القائد ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

والحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع انه لايغركم الكلام المعسول ولا البدلات الانيقة والقمصان الفاخرة وربطات العنق الجميلة والعطور النفاذه والدجلات الجميلة والقُبع والتوز والثومة والخطابات الاستهلاكية ووعود السياسيين وقذائف خطبأ المساجد ، لان زينة العقل الموزون هي الشخصية الحقيقة للرجل الناضج والمثقف.

ولا يغركم شيطنة المشايخ وطراوة الدبلوماسيين وهنجمة المرافقين ، ومزايدة الجمهوريين و تضليل الملكيين وهدرة الوطنيين وطقطقة الناصريين واحلام القوميين ونظريات الاشتراكيين ونعثات الحزبيين والامراض القروية والمناطقية والعنصرية ونغمات التحريض والمذاهب السياسية الدينية الفاسدة والهدامة .

فالمشهد اليمني اليوم كشف ، وعرى وفضح ، بالعين المجردة، ان السواد الاعظم من تلك القيادات السياسية والدبلوماسية والامنية والعسكرية والحزبية والدينية والمذهبية والثقافية والفكرية والاعلامية والمشيخات مجرد صناعة اقليمية ودولية وان عمالتهم وارتزاقهم حتى النخاع لاسيما بعد ان كشفت الحرب الظالمة على اليمن ان تلك الصور الجميلة المختزلة عن القيادات والهامات الكبيرة في نظر الشعب اليمني اليوم قد سقطت للهاوية في سوق العمالة والخيانة والارتزاق والتآمر على البيت اليمني بكل ألوانها واشكالها بعد تورطها في قتل وسفك دماء ابناء اليمن وتدمير بنيته التحتية ومنجزاته وتقسيم سيادته في صنعاء وعدن ومارب والساحل وحضرموت والمهرة وسقطرة وكل شبر طاهر.

آخر شيء كنت أتصوره انا وغيري من اليمنيين.. هو مالا يخطر على البال ان الدكتور ياسين سعيد نعمان فضل سفارة في لندن على اليمن ناسفاً رصيده وشخصيته السابقة التي كشفت ان دكتور وطبيب البلوتاريا الذي شغل العالم ورفاقه بشعار واجب علينا واجب تخفيض الراتب واجب وخطاباته ضد الامبريالية تحول الى دُمية في هايد بارك الامبريالية بعد ان كان زعيماً في وطنه ويُحسب له كل حساب فسبحان مغير الاحوال.

والاعجب من ذلك ان عبدالملك المخلافي ، خريج المدرسة الناصرية ، شغل اليمنيين والعالم بالخطابات الرنانة والمبادئ السامية وعظمة الانقلابات والثورات الناصرية وقيادة الامة العربية لنكتشف ان المخلافي والعتواني وفرقة حسب الله من الناصريين الذين خدروا كوادرهم ، تسابقوا على السقوط في احضان الرجعية السعودية الذي لاعنوها ليل الله مع نهاره بدون فرامل وداسوا على كل القيم مقاب الحصول على منصب انتهى مفعوله وشوية دولار الذي حولت قبلتهم بسرعة البرق.

واما حبايبنا من جماعة حزب الاصلاح المحسوبين على التنظيم العالمي للاخوان المسلمين ، فكانوا شركاء للنظام السابق في السلطة والثروة والجيش والاجهزة الامنية والاقتصاد والتجارة والنفط والاستثمار والمدارس والجامعات ولم يقدروا النعمة ، ولم نسمع الخليفة عبدالمجيد الزنداني او اليدومي وحمود سعيد المخلافي وغيرهم ينطقوا بكلمة حق للحفاظ على البلد واغلاق باب الفتنة حقناً للدماء بمجرد ان وعدتهم العجوز هيلاري كلينتون والحبيب اوباما بالخلافة الكاذبة ، فزيدوا الماء على الطحين ولم يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ، فخرجوا للساحات بالصدور العارية وثقافة ارحل وأشعال النيران وتعطيل المؤسسات وهدم القيم والاخلاق وصرف براءة الاختراع وترديد لادراسة ولاتدريس حتى يسقط الرئيس.

فسقط الرئيس وسقط الشعب وسقطت البلد وسقط الجيش صمام الامان وسقط الاصلاح وانتصرت الموجة الثانية من الفساد وتجار الحروب واصحاب المشاريع المشبوهة فأخذ الله عقولهم وتاهو في الارض كما تاه قوم موسى وأستبدل الله قصورهم وفللهم وسلطاتهم وامنهم بالخوف والرعب والغرف الفندقية والشقق في تركيا ومصر والاردن وقطر تحت رقابة مسجل خطر ليكتشفوا ان الخلافة الاسلامية الموعودة مجرد حمل كاذب.

والشيء العجيب ان فوضى وفتنة 2011م ، خدمت جماعة الحوثيين وجرعة الزيادة في أسعار البترول وجدوا فيها الفرصة التي اوصلتهم الى رأس السلطة ، لاسيما وان كل القوى السياسية من مؤتمر واصلاح واشتراكي وناصري وغيرهم غلبوا ثقافة " الحقد والفجور والانتقام السياسي"، فهرول الجميع للتنسيق مع الحوثيين ودعمهم ضد الآخر وهو مامكن الحوثيين من السيطرة على صنعاء واخواتها وتهميش وأضعاف كل القوى بالتزامن مع الدعم الايراني والقطري والعماني والاقليمي والدولي المتواصل بطرق مباشرة وغير مباشرة لجماعة انصار الله ، كما ان زيارة السفير السعودي ال جابر الى القصر الجمهوري بصنعاء والحفاوة والصور الجميلة حملت اكثر من علامة تعجب واستفهام ، ماجعلها القوة الاولى بعد ان تحولت الشرعية الى مجرد يافطة بلا ارادة ولا قرار سياسي أوسيادي وانما أداة لشرعنة الحرب وضيف وعبئ ثقيل في فنادق الرياض .

والاغرب من ذلك ان حبايبنا الحوثيين رغم سيطرتهم يتحدثون عن الدولة والمؤسسات امام العالم وعند مطالبة الشعب اليمني بتقديم ابسط الحقوق والخدمات وفقاً للدستور والقانون كالمرتبات وتوفير الكتاب المدرسي وخدمات الكهرباء والماء.. سرعان ما يتجردون من كل تلك المسؤوليات والمواعيد العرقوبية ويحملون الاطراف والدول الاخرى رغم الايرادات الكبيرة والمليارات التي يجنوها من الكثير من القطاعات ، وعلى حد قول المثل اليمني " معي لك مرة لوما يموت زوجها!!؟

وقس على ذلك تبعية الاصلاح في مارب والانتقالي في عدن والحراك الشبواني والهبة الحضرمية وقوات الساحل والشيخ الحريزي في المهرة وغيرها من الجماعات والجيوش المؤلفة التي بقاءها مرتبط بماتدفعه القوى الاقليمية والدولية لتنفيذ أجندات التقسيم.

ومايدعو للسخرية والاستغراب ان مشايخ اليمن والوجاهات القبلية الكبيرة الذي كان لهم ثقل كبير في الدولة والسلطة والقبيلة والمجتمع أصبحت أضعف من خيوط العنكبوت بعد ان فتحت الطريق للفتن ودخلت سوق الخيانة والغدر والولاء للداخل والخارج ليصدق فيها قول الشارع العباس بن مرداس أبن الشاعرة الخنساء :

وَفي هَوازِنَ قَومٌ غَيرَ أَنَّ بِهِم

داءَ اليَمانِيِ فَإِن لَم يَغدِروا خانوا.

أخيراً .. اليمن دفع ضريبة باهظة من دماء ابناءه الطاهرة وثرواته المتنوعة وثمناً كبيراً بسبب ثقافة الجهل والتسلط والانتقام والفجور والتضليل والمزايدة والارتزاق والغدر والخيانة التي حولت ملايين الابرياء الى قتلى وجرحى ومعاقين وامراض وفقراء وجياع ومتسولين ونازحين ومشردين نتيجة للسياسات العقيمة والانتماءات الاقليمية والدولية المشبوهة التي تقاسمت السلطة ونهبت الثروات وحركت الساحات وأشعلت الحروب وتاجرت بالوطن والمواطن ورغم كل ذلك الدمار والدماء والقتلى والجرحى والمعارك الطاحنة والاتفاقات السرية والعلنية وسياسة الهدن كل تجار الحروب اليوم يلهثون وراء المصالح الضيقة .. يبحثون عن تقاسم الثروة والسلطة والمناصب من جديد على اشلاء وجثث ودماء الشهداء بينما الشعب اليمني المنكوب يعاني الامرين ..

كم نحن بحاجة الى الزعيم والقائد والرئيس والوزير والمسؤول والقاضي والعالم والخطيب والمدرس والطبيب والمهندس والمواطن المجرد من الجهل والتبعية والعمالة والارتزاق .

حول الموقع

سام برس