بقلم/د.هشام عوكل
مقدمة
ما يقلق أوروبا في الوقت الراهن هو توسع الحجم التجاري لبكين وتمدد السلع الصينية في السوق الأوروبية مقارنة بصادراتها للصين، وما يمثله ذلك من تداعيات خطرة على مستقبل الصناعة في أوروبا وتنافسيتها في الأسواق المحلية مقارنة بالبضائع الصينية الرخيصة وتأثير ذلك المباشر على ارتفاع البطالة.

حسب إحصائيات "يورو ستات" الأخيرة بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي للصين في العام الماضي 2022، نحو 230 مليار يورو تقريباً، وذلك بزيادة حوالي 7 مليارات يورو عن العام 2021.

وبهذا الرقم سجل الاتحاد الأوروبي عجزاً تجارياً يزيد عن 365 مليار يورو مع الصين

ويلاحظ أن المتغيرات الجيوسياسية الكبرى التي حدثت في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها الحرب الروسية في أوكرانيا أبرزت ضعف أوروبا في تحقيق "أمن الطاقة" لمواطنيها واعتمادها الكامل على روسيا، كما أبرزت جائحة كورونا في عام 2020 اعتماد الصناعات الأوروبية، على سلاسل الإمداد الصينية، خاصة صناعة السيارات في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

وتتخوف الدول الأوروبية من التقدم الذي تحدثه الصين في مجال السيارات الكهربائية على مستقبل صناعة السيارات في أوروبا.

من هذا المنطلق يرى اقتصاديون، أن هنالك ضرورة لوضع استراتيجية واضحة المعالم للأمن الاقتصادي الأوروبي
حيث أطلقت المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، الموافق 20/06/2023مبادرة استراتيجية جديدة للأمن الاقتصادي، في ظلّ سياق من التوترات الجيوسياسية الدولية.

والسؤال المطروح ما الذي دفع التكتل الأوروبي إلى إقرار هذه الاستراتيجية؟ وهل هي موجهة لكبح دولة معينة؟ ماذا عن الصين وروسيا؟ وما هي النقاط الأساسية التي تطرقت إليها؟

في هذا الصدد يقول الاقتصادي بمعهد بروغيل للدراسات في بروكسل،" أندريه سابير "من الواضح أن تعريف الأمن الاقتصادي الأوروبي بات بالغ الأهمية لأوروبا ويجب ألا يمثل منعطفاً أيديولوجيا في سياسة أوروبا تجاه الصين، ولكنها خطوة لحماية المصالح الاقتصادية للكتلة من الابتزاز التجاري والاعتماد على سلاسل الإمداد الصينية
رجا المرزوقي، أستاذ الاقتصاد المشارك وكبير المستشارين الاقتصاديين بوزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية،
خلال محاضرة في معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية بالرياض، بعنوان «الأمن الاقتصادي وأهميته في الأمن الوطني في ظل التغيرات الدولية»، إن تلك المخاطر تتمحور حول الملكية والتجسس والوصول إلى المواقع الحساسة والمعلومات، ومخاطر التخريب، والكوارث الطبيعية، والاعتمادية غير المتوازنة بين الدول، واستغلال السلطة، والفساد والاحتيال، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.

مضيفا بأن تلك المخاطر تحمّل اقتصاد الدول تكاليف اقتصادية وتؤثر سلباً في نموه، كما يتم تحميلها في نهاية المطاف على المستهلك، سواء جزء منها أم كلها بناء على معامل المرونة للقطاع. وان المتغيرات الدولية بمفهوم العلاقات الدولية بين دول العالم من خلال نظام النقد الدولي قد تغير ، والاستثمارات الدولية وحركة رأس المال، وكذلك حركة رأس المال البشري وتنامي التجارة الدولية، اخذت منحى تصاعدي موضحاً أن العولمة أدت إلى تلاشي الحدود الاقتصادية، والاعتمادية المتبادلة، ودوام البحث عن الكفاءة، وتسارع النمو في تجارة السلع الوسيطة (سلسلة القيمة المضافة، سلسلة العرض)

حاولت أوروبا خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية فصل سياستها التجارية الليبرالية عن السياسة الخارجية ولكن الصعود الاقتصادي والتجاري الصيني وتراجع أسواق الشركات الأوروبية في العالم مقابل نظيراتها الصينية فرض واقعاً جديداً على القوى السياسية في بروكسل.


حماية القطاع العسكري والأمن السيبراني

أن الدول التي ركزت على تحسين التنافسية والانفتاح على الاقتصاد العالمي حققت مكاسب اقتصادية في رفع مستوى الدخل لأفرادها وانخفاض البطالة والفقر، وارتفع نصيبها من الدخل العالمي الإجمالي، وزادت نسبة مساهمتها في الاقتصاد العالمي، وبالمقابل انخفضت نسبة مساهمة الدول المتقدمة اقتصادياً لصالح الدول الصاعدة والنامية، بفضل لمس متغيرات مهمة للأمن الاقتصادي، وهي استهلاك الغذاء، وإنتاج الغذاء، ومستوى المعيشة والدخل، وقدرة منظمات المجتمع المدني والحكومة لتلبية احتياجات الناس، ومدى قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية من الطعام والسكن والخدمات الصحية والتعليمية بشكل مستمر وآمن.

لذا ترى بروكسل التأكد من أن عدداً معيّناً من التكنولوجيات الأوروبية لن تسهم في تعزيز القدرات العسكرية لبعض التي تؤمنها كشركتا "هواوي و زيد" الذين يشكلون خطراً على الأمن القومي الأوروبي.

وتريد بروكسل المضي في نهج تجاه بكين يوازن بين المخاوف بشأن الاعتماد المفرط على الصين مع الحفاظ على العلاقات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم و مواجهة ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية و أنّ المفوضية ترغب عبر الاستراتيجية الجديدة في معالجة المخاطر الأمنية التي تشكلها الاستثمارات الخارجية بتعزيز ضوابط التصدير على السلع التي لها استخدامات مدنية وعسكرية.

ومن بين التكنولوجيات التي تذكرها الوثيقة الحوسبة الحكومية، الذكاء الاصطناعي، الجيل السادس من الاتصالات، والتكنولوجيا الحيوية، الرقائق الدقيقة المتقدمة، والروبوتات.

والاستراتيجية التي كُشف عنها من المرجح أن تمنع الشركات الأوروبية من إنتاج عدّة أنواع من التكنولوجيا في بلدان مثل الصين وروسيا ولا تذكر الوثيقة الصين بالاسم ، لم تسمِّ تلك البلدان ، ولكنها قالت إن الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة لا تستهدف بلداً واحداً٫.

وتخشى بعض دول التكتل من إثارة عداء الصين وبدء حرب تجارية، بينما تعتبر دول أخرى أن الوقت قد حان للتحرك لحماية الأمن الاقتصادي للاتحاد.

الخامس عشر من شهري ماي 2023، قالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريت فيستاغر "إذا ما قيّمنا المخاطر من منظور أوروبي، ستُرسم خطوط التقسيم إمّا في بكين أو في واشنطن".

يجدر التذكير أن الكشف عن هذه الاستراتيجية يأتي في ظلّ سعي أوروبي لتعزيز القطاعات الدفاعية الأوروبية، يقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

حيث دعا الرئيس الفرنسي إلى «صدمة تمويل عام» لمواجهة الفقر والاحتباس المناخ، أمام نحو 40 رئيس دولة وحكومة مجتمعين في باريس لمحاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي، إن الدول لا ينبغي أن تُوضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ، مضيفاً: «علينا أن نُحدِث صدمة تمويل عام، ونحتاج إلى المزيد من التمويل الخاص في مكافحة تغير المناخ وتزايد الفقر وعدم المساواة. وتعهّد أن يكون «هذا الاتفاق المالي الجديد أكثر احتراماً لسيادة» كل الدول.

من جهتها، قالت إستير دوفلو، الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد، خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: «تُفرض تكلفة باهظة على أفقر البلدان من خلال الطريقة التي نقرر أن نعيش بها اليوم».

والهدف من القمة هو تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات «بريتون وودز» في عام 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتقول الدول النامية: إن الحصول على تمويل من المؤسستين صعب، في حين أن حاجاتها هائلة لمواجهة موجات الحر والجفاف والفيضانات، وأيضاً للخروج من الفقر مع التخلص من الوقود الأحفوري والحفاظ على الطبيعة.

ومن أجل تحقيق ذلك؛ سيتعين على الدول النامية باستثناء الصين إنفاق 2400 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الوقود غير الأحفوري من 260 مليار إلى نحو 1.9 تريليون دولار سنوياً على مدى العقد، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية

دعوة لتفهم المتغيرات في أوكرانيا والهجرة والتكنولوجيا الاستراتيجية

أشارت رئيسة أكبر سلطة تنفيذية في الاتحاد الأوروبي إلى أنه من المهم جداً حماية وتعزيز والتشارك في المشروع الاقتصاد الأوروبي موضحة أن الاتحاد سيطلب 66 مليار يورو إضافية من الدول الأعضاء لمراجعة الموازنة التي تغطي 4 سنوات حتى 2027.

وتطرّقت فون دير لايين إلى ثلاث نقاط أساسية تتحدث عنها "استراتيجية الأمن الاقتصادي الأوروبي" وقالت إن بروكسل أضافت ثلاث أولويات إلى الأولويات السابقة وهي أوكرانيا

أزمة المهاجرين

المنافسة في القطاع التكنولوجي الاستراتيجية

بخصوص النقطة الأولى، وحتى العام 2027، أعلنت المفوضية أنها طلبت من الدول الـ27 الأعضاء تقديم مبلغ إضافي قدره 50 مليار يورو يضاف إلى ميزانية 2021-2027 لدعم أوكرانيا.
ويجب أن توافق الدول الـ27 بالإجماع على المطلب قبل أن تتم المصادقة عليه في البرلمان الأوروبي ليصبح ساري المفعول.

أما مسألة الهجرة، فأعلنت بروكسل تخصيص 15 مليار يورو لها خلال أربع سنوات و10 مليارات لمسألة المنافسة
التكنولوجية قالت فيستاغر إن روسيا ألهمت المخاوف المتعلقة بالطاقة عندما غزت أوكرانيا في نهاية شباط/فبراير 2022، بينما تثير الصين مخاوفَ بشأن إنتاج التكنولوجيا وأمن التقنيات.

الاتحاد الأوروبي سيحظر التعاقد مع العملاق الصيني هواوي لمد شبكة ج ي5 بعد "قطرغيت" مقترح لإنشاء هيئة جديدة لتعزيز الأسس الأخلاقية في الاتحاد الأوروبي .. وأشارت فيستاغر إلى أن القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي تعتمد على سوق واحدة والتجارة العالمية المفتوحة القائمة على القواعد ومع ذلك، فإن التغيرات الجيوسياسية الحالية وسريعة.

وأضافت يتطلب ذلك ... منّا موقفاً متوازناً : يجب علينا الحفاظ على أمننا الاقتصادي، مع ضمان استمرار الاستفادة من اقتصاد عالمي مفتوح .. تستمر أوروبا والولايات المتحدة في قطاع صناعة الرقائق وشبه الموصلات لتقليل الاعتماد على الصين


تصريح "عكس التيار" من برلين

بموازاة كل ذلك، دعا رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، ألمانيا الثلاثاء إلى تعزيز التعاون مع بكين لدعم النمو مع افتقار التعافي الاقتصادي العالمي إلى الزخم.. وقال لي في مؤتمر صحافي في برلين "يفتقر التعافي الاقتصادي العالمي إلى ديناميكية النمو. وينبغي على الصين وألمانيا، كبلدين كبيرين ومؤثرين، العمل بشكل وثيق معاً من أجل السلام والتنمية العالميين".

من جانبه قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن ألمانيا تسعى إلى بناء علاقات تجارية "متوازنة" مع دول آسيوية وألا تحصر نفسها مع شريك واحد.

*أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية ٫بروكسل

حول الموقع

سام برس