بقلم/ محمود كامل الكومى
حين أنتقل عبدالله بن عبد المطلب الى الرفيق الأعلى , تاركا نتاج سنى عمره -من كل ماطهر به البدن والروح , والشفافيه وكفاح الحياة , وعزوف النفس عن موبقات البريه , وصفاء الأنا البشرية الى ربها غارقة فى جلال الربوبية وتجلِى والوحدانية , تذيب الشرك والكفر والضلال والحرام ,وحياة الدنيا التى لم يروا فيها تُبَاعِها اِلا الأبدية – مُجسدها فى نطفته الطاهرة الندية , مستودعا اياها فى خير أرحام نساء الأرض وحوريات الجنان العلية , رحم الأم الرؤوم "آمنة بنت وهب"..تُضىء كيانها وتصفو بروحها وتحول مجرى الدماء فى عروقها الى "روان" يفيض دائما بما يصب فيه الملائكه من رياحين ومسك وعنبر تغذى النطفة الطاهرة , فتغسلها بالماء والثلج والبَرَد,وتروي ظمأها لعشق ربِ البريةِ .ٍ

ويعلو الحمل فى أحشائها , فيصفو كيانها ويرتقي جسدها بما تحمله من نور الهدى الى السمو والرقى , لتبدو خطواتها كطائر يحلق فوق الأرض وبين احضان السماوات العُلا لايرى غير ضياء الذات الإلهية , ولا يرى فى الشرك واللآت والعزى وهُبل اِلا رميهم أجمعين بحجارة من سجيل , ويعلو الصوت من عليين يشق عنان السماوات السبع " لااله الا الله محمدا رسول الله" ليزلزل صداه الأرض والبرية فتخشع البشرية .

ويفيض الرحم الإنساني بأمر الخالق الرباني ........ ويصير الطمث ماءً سلسبيلا طاهراَ عذباَ فراتاً , منبئا عن بزوغ شمس الاِسلام من رحِم "آمنة بنت وهب" أم سيد الخلق والأنام , التى أُضِيئت أحشائها وكيانها على مدى شهور تِسع , وهى الآن تطل على الإنسانية معلنه ولادة الهدى , فتضاء الكائنات فور ميلاد خير البرية , ويصير فم الزمان تبسم وثناء,ويباهي عبد المطلب الدنيا بحفيده ونوره الوَضَاءِ , ويرتفع سيفه متحديا دولة الكفر والشرك , ولو أراد لقطع رؤوس من يسجدون لهبل واللآت والعزى , فبين يديه نور البشير .

ويبزغ نور الهادى البشير يُضِىء قريش وما حولها حين يحبو حفيد عبد المطلب على بساط الدروب فى "بكة"وتغدو أم القرى بقعة تنذر بضياء الهدى والتوحيد لتُطفىء نار الشرك والكفر والجهل والتضليل – ويخلف "أبى طالب" أباه في رعاية رسول الإنسانية في رحلة الصِبا , متحديا أئمة الكفر , مُوقفا أباء الطغيان عند حدهم "لهب وجهل وسفيان " أقرانِ الشرك والجهل والعصيان ليصيروا خصيان وندمان وعميان , محتسي أقداح الخمر حتى الثمالة , فلا يروا اِلا الميسر والزنا ووأد البنات طريقُ, ليهيموا بالسجود كالحيوانات لللآت والعزى وهبل وكافة الأصنام , ويحذر أبى طالب الأبالسة أن يطفئوا نور الله , منذرا أن محمدًا بشير الله متم نوره ولو كره الكافرون .

وحين بزغ النور الوضاءِ من رحم "آمنه " اِلا وصارت "حليمة السعدية "أسعد المخلوقات فى البشرية وحتى الآخرة الأبدية, فها هى قد غَدت على ميعاد, لتكون أم الرسول الكريم بالرضاعِ , فصار اللبن مِدرارًا في ثديها حليب ليلا ونهارا ندياً, كما وأن "القد"قد بدا ذو كيان مكنون , وهيئة الأم الرؤوم غدت حورية من حوريات الفردوس , حتى ضروع العنزات تدلت تلامس الأرض بعد طول جفاف , وطلت من الأرض الجرداء فى هذه الصحراء , زروع خضراء فصارت بكرًا وسياجًا من خُضرة حول منزل أم الرسول فى الرضاع , وبدت النضارة فى وجه حليمه بما يسري في عروقها من شهد وعسل أنهار والى ثدييها فائض منهما تسيل من الحلمات التى يلقمها ثغر محمد البسام .

وكان ميلاد خير البرية نديًا ,ثريًا ذو نفحات عطرية , على مكة وشبه الجزيرة العربية ,وعلى كافة الأمصار المتاخمة لها ,والبشرية جمعاء. بميلاده بزغ شمس الدين الاسلامى وصار دين محمد برداً وسلاماً على الكون والبشرية جمعاء , , فَهَنِئت "يثرب "بضياء سيد المرسلين وخاتم النبيين , وأنتظرته سنين حتى طلع البدر عليها واهلها من ثنيات الوداع , وعلى أرضها بنيت دولة الإسلام , وصارت الفتوحات , ففتحت مكة وكانت حجة الوداع ميثاق وعهد ووفاء مجسدة لكل القيم الانسانية وحقوق الانسان التى يتباهى بها الغرب الآن , فطويت صفحة الشرك والطواغيت والأصنام وقذف بها في أقذر صندوق نفاية في تاريخ الإنسان , وتحلل هبل واللات والعزى الى ذرات جراثيم وتراب وصارت كالعدم غبار في الهواء.

وغدت دولة الإسلام المحمدية تؤسس لأمة السلام والوئام , وتعطى الدروس والعِبر والسِير , وتحذر من هؤلاء الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة , الذين خانوا العهد والميثاق , يهود خيبر ويثرب الذين لا عهد لهم ولا ميثاق , وصار محمد نصير الضعيف المظلوم والمكلوم والفقير , فغدا اِمامًا للاِشتراكيين لولا دعاوى القوم والغلواء , ووحد الأمة وأزال الفوارق الطبقية , فكان السلم الإجتماعى هو المفازة والهدية , وبَيَن للتوحيد أصوله , والشرك والكفر حدوده , وصار النهج المحمدي يَغرِس في البشرية اللين وكَظمِ الغيظ والعفو عن الناس , والقول الطيب وسعة الأفق , والمجادلة بالتى هى أحسن , وحذر من الاطمئنان للأعداء وخيانة الأهل والخلان , والمحافظة على المال العام , وحذر من الأعتداء عليه والعدوان والغدر به , وحث على تلبية حاجات الفقراء وتطهير النفس بالزكاة ودعى الى الطمأنينة وعدم ترويع الآمنين ,و أوصانا خيرًا بالنساء ورعاية الصغار واحترام الكبار .

ولم ترتفع الروح الطاهرة الندية لخير البرية ورسول الإنسانية الى الملأ الأعلى ,اِلا وبشاير الوحدة قد تأصلت عند المسلمين , وتأسست روابطها وانبعث ضيائِها من مكة والجزيرة العربية ليُضىء أمة العرب السنية ومنها الى عالم الإنسانية ليقضى على ما كان متأصلا فيها من شريعة الغَاب التى تجسدت فى استعمار الكبار وحوش كاسرة تأكل الصغار والضعفاء , وبدى النور المحمدى أملاً عند هؤلاء ونجاة - وعلى ذلك كانت ولادة الهدى نور وضياء للكائنات , وصار ثغر الزمان تبسم وثناء .

واليوم 12 ربيع أول 1445
ذكرى ميلاد سيد الأنام محمدا"ا اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ" "أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ
يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً" "مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا"
لتطل علينا ونحن نيام ,فاين نحن من سنته وثنى طلعته وعبيره وعبرته ؟

وكيف حال المكان الذى ولد على بقعته ومنه انتشرت رسالته ؟

صار الاتجار بالدين الى أدنى الدركات التى انحدر إليها كثير من البعير هؤلاء مدعى التسمية وهى منهم ومن أفعالهم براء " تلك الوهابية" ومنها انحدرت كافة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية تعيث فسادا في كل الأمصار الإسلامية , وعلى النقيض من الرسالة المحمدية ودعوتها السنية للسلام والوئام , صارت تلك الجماعات الى القتل وترويع النفس البشريه , وغدى تدمير الأوطان الاِسلامية غايتها, فدمروا العراق وسوريا وليبيا وهم الآن يعيثون فسادا وقتلا وتدميرا بباقى الأمصار فى السودان ومصر وتونس ولبنان , وفى جنوب الجزيرة صار اليمن على حافة الشعيرة من جراء التدمير والترويع الذى يمارسه على أهلها من يدعون الخلافة.

فى ذكرى ميلاد الرسول السنية يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم , لكن الله متم نوره ونور نبيه المصطفى ولو كرهت كل هذه الحركات المدعاة بالاسلامية ومن يقفون ورائهم بالتمويل والتدريب .

ومع الذكرى العطرة صار مكان الميلاد يجارى الغرب فى مجون الرقص والغناء الخليع دون حرمة للمكان , و التبذير والسفه والإسراف من أموال الحجيج والعمرة طوال العام صار , دون اعتبار أو نظرة للجفاف والكفاف الذي يعيشه كثير من مسلمي الأمصار.

وصارت لقاءات الصهاينة مغتصبى الأقصى مسرى رسول الله تدنس مهبط الوحي والبقعة التى انتشر منها ضياء الرسول عليه السلام وثنى مولده , بقواعد الدمار والهلاك التى يبنيها أعداء محمد والاسلام يهود خيبر والأمريكان فى كل مكان من أرض العروبة والإسلام .

ورغمًا تبقى الذكرى تفوح برياحين الفل والياسمين , وبنور يُضِىء من كوكب دُرى يوقد من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زِيتُها يضيء ولو لم تمسسه نار , نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم .

*كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس