بقلم/ احمد الشاوش
كان يُردد الناس في الزمن الجميل "ألف دكان على كف الرحمن" ، بمعنى أن كل واحد لا يأخذ الا رزقه الذي كتبه الله له بعيداً عن الطمع والجشع والفهلوة ، وكان من عادات تجار صنعاء المواظبة على اداء صلاة الفجر وفتح محلاتهم في الصباح الباكر وقراءة القرآن الكريم وما ان يصل الزبون لشراء حاجته حتى يلبي التاجر طلبه بكل احترام وذوق ولطافة حتى كانوا عنواناً للقيم والامانه والصدق والثقة والسمعة الطيبة.

لقد توارث تجار صنعاء السلوك الايجابي وكل من كان يريد أن يعمل في مجال التجارة عليه ان يدرس فقه البيع والشراء والحلال والحرام والنواهي وكان من نُبل ومحبة وتكافل تجار صنعاء أنه اذا أستفتح أحد التجار من أصحاب الدكاكين والمحلات المنتشرة في الاسواق والاحياء الشعبية مثل سوق المعطارة والحب والفضة والبز والفتلة والعنب والحلقة ، ولاحظ التاجر أن صاحب المحل المجاور له لم يستفتح بزبون ، وجاء اليه أحد الزبائن طالباً سلعة معينة يقول له بكل طيب خاطر طلبك موجود عند الدكان الذي جنبي رغم وجود السلعة لديه ولكنه يريد ان يسبب ويسعد جاره وهكذا جرت عادة أصحاب المهن .

اليوم صاحب المعرض والدكان والمحل التجاري والبسطة في باب اليمن وشعوب وباب السباح وعبدالمغني وشارع جمال وهائل وغيرها من الاسواق الشعبية القديمة والجديدة في صنعاء وتعز والحديدة واب وغيرها خرجت عن ذلك الارث الثقافي والتاريخي العظيم بعد ان تحولت عيون الباعة الجُدد الى أجهزة ليزر تصرع الزبون من أول وقفة أو نظرة وصار الباعة يتحاسدون ويتنافسون على صيد المستهلك ويحرجون الرجال والنساء ويستخدمون أساليب المفاصلة واللغاجة ويَغرون الشباب بالملابس والسلع الضعيفة والعلامات التجارية المزورة والتخفيضات الكاذبة وينادون الزبون والمتفرج بطريقة مبتذله منافيه لاصول البيع والشراء ولوفكر المستهلك يدخل أحد معارض الملابس لشراء سلعة معينة يخرج وهو مصدع من كثرت المبايعة واللت والعجن والمراوغة والاحتيال في غياب الضمير ورقابة وزارة الصناعة والتجارة والمواصفات وضبط الجودة وجمعية حماية المستهلك بعكس ماهو موجود في العالم.

والعجيب في الامر ان ثقافة تجار العصر الحديث السلبية لايدري المستهلك ماهي الاسباب التي حولت الكثير منهم الى فاقدي الضمير ولماذا يحاول البعض رفع سعر ثمن السلعة واحراج المشتري او المبايع والعكننة على الزبون دون ان تقوم الجهات المختصة بعمل تسعيرة رسمية توازن بين مصلحة التاجر والمستهلك وفقاً للعدالة وبعيداً عن اللف والدوران والتدليس.

واعجب من ذلك ان ترى وتسمع وتشاهد اليوم أن الدكاكين السياسية والشركات المشبوهة والمنظمات المأجورة ومحلات العمالة ومعارض الخيانة وبسطات الارتزاق وتبييض وغسل الاموال ونهب الاموال بلاحدود في طول اليمن وعرضها ، حتى صار اليمن عنواناً للطابور الخامس والسادس والسابع في المزايدة وبيع الوطن والتفريط في السيادة والتحريج بالجُزر والتهريج في المنابر المحلية والاقليمية والدولية والملفت للنظر ان كل سياسي وسائق يَعَشًق بطريقته الخاصة ويدوس امامه كل الحكماء والشرفاء والكفاءات والباحثين عن دولة النظام والقانون.

والطريف في الامر أن السواد الاعظم من النُخب الفاشلة والوسطاء والسماسرة والمقاولين والمتعهدين الجُدد من كل ماركات وتيارات الطيف السياسي والفكري وكل بائع للوهم في الشارع اليمني ، يبيعون البلد بالجملة والفرادي وان لزم بالتقسيط بعد ان تحولوا الى أدوات ووكلاء ومسوقين للمشاريع الاقليمية والاجندات الدولية المشبوهة وكلة تحت راية الدولة والثورة والجمهورية والوحدة والوطن والاسلام!!؟

وأما أسواق الادوية المهربة والمنتهية والمغشوشة مع سبق الاصرار والترصد فحدث ولاحرج ، ومايدعو للحسرة والالم انه تتم عملية الغش عمداً في نقص نسبة المادة الفعالة أو التخزين السيء الذي قد يؤدي الى نتائج عكسية على المريض في ظل غياب الضمير ورقابة وزارة الصحة والهيئة العامة للادوية ، فهل يُعقل ان شركة وطنية تُدعى".." تصنع كبسولات ضبط السكر بنسبة أقل من النسبة المقررة من الشركة الام في الدولة الخليجية ".." وهل يُعقل أن شركة وطنية أخرى تُدعى".." ، تصنع علاج من مواد خام ... مُخزنة غير مطابقة للمواصفات ، مع العلم ان هذه الاشرطة المصنعة سببت عدداً من الامراض الخطيرة كما تم فحص عينه منها في مصر ، كما هو شأن الكثير من المنتجات الاقليمية والدولية المهربة.

احد الزملاء ذهب الى القاهرة للعلاج ، وبعد ان رتب موعد مع الطبيب المختص وطلب منه نوعية العلاجات التي كان يتناولها صباحاً ومساء ، أكد ان نسبة المادة اللازمة أقل من المواصفات المطلوبة " غش" وان المادة الُمركبة مخزنة ، وانها هي السبب الرئيسي في إصابة العديد من اليمنيين بـ "الخثرة" بعد ان تم فحص عينه من العلاج في مصر!!

والعجيب في الامر ان اليمن بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها مازالت أبوابها مفتوحة على مصراعيها لمهربي الادوية الفاسدة وتجارة الاسمدة المحرمة دولياً ورغم تشدد ومنع وتحذيرات وتوصيات الجهات المختصة بخطورتها والكوارث الخطيرة التي تُسمم التربة والنبات والانسان والمناخ إلا انها تمرر من النقاط والجمارك مرور السحاب بأتصال نافذ أو فاقد للضمير أو انتهازي من كتيبة حق ابن هادي"الرشوة" ، بحسب ماتكشفه بعض وسائل الاعلام او حديث يدور هنا وهناك.

والسؤال الذي يدور في مخيلة الناس ، كم من الملابس والمواد الغذائية والمنظفات والشامبوهات والمساحيق وأدوات الزينة والمواد الكيماوية والادوات المنزلية والادوية ومخلفات العالم من الملابس والاثاث تدخل الى اليمن رغم ماتحملة من خطورة وعدوى وامراض ، رغم مخالفتها للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ، وأين دور الجهات المختصة؟.

أخيراً .. أين دور وزارة الصناعة والتجارة من كل تلك السلبيات ، واين دور الادارة العامة للرقابة على الاسواق ، واين دور الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ، واين دور جمعية حماية المستهلك من دخول المنتجات والسلع السيئة جداً والمسرطنات التي تستنزف وتُكبد البلد مئات الملايين من الدولارات على سلع رديئة يستفيد منها التجار الكبار المجردين من الضمير ومؤسسات الدولة التي همها الاول الجباية من خلال دفع الجمارك والضرائب والاتاوات والتي يدفع ثمنها المواطن الغلبان في ماله وصحته وحياته.. والمثل اليمني يقول "اذا غاب القط لعب الفار".. فهل من رجل رشيد؟.

حول الموقع

سام برس