بقلم/ احمد الشاوش
أزدهرت فترت السبعينات والثمانينات والتسعينات في اليمن بنجوم الخط العربي الجميل وعباقرة الرسم التشكيلي الفريد والتصوير الفني الرائع الذي لفتت انظار عُشاق ومحبي الفنون الجميلة ومتذوقي تلك الخطوط البديعة واللوحات الجميلة والصور الفريدة التي عكست عُمق الازدهار الثقافي والفني.
وخلال تلك الفترة الفنية الساحرة للالباب والعيون سطع نجم كوكبة من الخطاطين والرسامين التشكيليين والمصممين والمصورين الذين وثقوا فترة زمنية زاهية وتاريخ حافل مرصع بالفكر الخلاق والروعة والاثارة والابداع بما يعكس جمال الروح وعبقرية الزمان والمكان لاولئك الرواد والاعمال العظيمة.
ومن باب العرفان والجميل لاولئك الرواد وتلك الاعمال الجميلة والجليلة والتاريخية ، فأن شريط الذكريات يعود بي للوقوف على تلك المرحلة الناصعة لذكر وتسجيل أسماء بعض رموز الخط العربي ، والفن التشكيلي ، والتصوير الفني الذي ذاع صيتهم في مرحلة تاريخية تحولت فيها اليمن الى منارة للفنون الجميلة وشاهداً على الحراك والتفاعل والتناغم الفني والانتاج الزاخر الذي دفع عمالقة الزمن الجميل من الابداع والمنافسة على مستوى المحلي والاقليمي والدولي.

جيل العباقرة :
مازلت أتذكر عندما كنت موظفاً في مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر ، كيف كانت أنامل الخطاط الكبير والمبدع احمد الاشول تُخط وتُزين عناوين صحيفة الثورة بالعاصمة صنعاء ، ومجلة معين ، وكيف كان القارئ يستقبل تلك العناوين بشغف واحساس وتذوق عجيب.. وكيف صاغ الاشول عدداً من الاسئلة بريشته الفنية الساحرة للرئيس محمد حسني مبارك لاجراء لقاء معه خلال زيارته الى صنعاء وكيف اعرب عن اعجابه الكبير واشادته بجمال وروعة الخط وطلب لقاء الخطاط احمد الاشول..

مازالت خطوط وعناوين الخطاط حسين جحاف مرسومة في المخيلة ومقلة العين ، ذلك الفنان الذي دفع ضريبة كبيرة نتيجة خطأ فني عندما كتب في الصفحة الاولى من صحيفة الثورة "الرئيس يضع "جحر الاساس" بدلاً من "حجر الاساس" في زحمة العمل ، في مرحلة سياسية حساسة ومليئة بالشك والريبة ما ادى به الى الحبس في الامن السياسي وتوقيفه عن العمل ومغادرة الصحيفة للبحث عن لقمة العيش.

كما برع الخطاط عبدالغني مطهر ، والامين الخضر ، عبدالجليل سعيد راجح "جليل" ، عبدالله حُميد ، وداوود الحمادي ، وكان الخطاط والرسام التشكيلي "هلال الفحل" ، شعلة من الفن واحد رموز الخط والرسم يعمل في دكان صغير بجوار التوجيه المعنوي بصنعاء لكنه دفع حياته ثمناً بعد ان أشعل النيران في جسده بعد ان تكالبت عليه صروف الزمن ، كما ذاع صيت الخطاط الحر نوفل المسني.

وبرع في مجال الخط العربي في أدارة الاعلانات بصحيفة الثورة الزميل احمد سعيد منصر صاحب الانامل الذهبية واخيه عبدالسلام منصر والخطاط والمصمم المتألق علي اليفرسي والخطاط والفنان العزيز محمد محمود رضوان وسامي القطابري ، والتشكيلي مظهر نزار وعبدالمجيد الرضي والمصمم والرسام المصري البديع رياض حلمي ، والخطاط والمصمم المصري الرائع صلاح عبدالخالق الذي كان يعمل مع صحيفة الجمهورية المصرية والسوري موفق فرزات ..

وسطع نجم الفنان محمد الشيباني في سماء الكاريكاتير وتعليقاته ورسوماته الساخرة وحضوره الملفت عند النُخب السياسية والحزبية والفكرية والاعلامية والرأي العام لما تحمل اعماله من عُمق الفكرة والرسالة.. كما برع الكاريكاتير عدنان جُمن ومازن شجاع الدين و كمال بكار وعدنان المحاقري.

وفي صحيفة 26 سبتمبر ذاع صيت الخطاط عارف القدسي والخطاط خالد الورد والكاريكاتير جميل السروري ، ورياض ميدو وعلي العباسي وسمير مقبل .. وكان لصحيفة الجمهورية حضور كبير ، حيث اشتهرت أعمال الكاريكاتير عارف البدوي ورشاد اسماعيل وغيرهم.

وقد برع في الفن التشكيلي الكثير من المبدعين من بينهم عبد الجبار نعمان وهاشم علي وعبدالحكيم العاقل ورشاد اسماعيل وياسين غالب والدكتورة آمنة النصيري وفؤاد الفتيح ومحمد القريطي وطلال النجار وحيدر غالب وعبدالعزيز ابراهيم ، وصبري الحيقي والهام العرشي ومحمد اليمني وطارق المقحفي وعبداللطيف الربيع ، ومحمد عبدالوهاب الصلوي وناصر عبدالقوي وهاني الاغبري وعلي الذرحاني وعلي غداف وزكي يافعي وسعيد علوي وريمه قاسم وعبدالولي المجاهد وأمين ناشر وعبدالعزيز الزبيري.

وكانت تعز وعدن وصنعاء وإب مدائن للفنون الجميلة ومصنعاً لرموز الخط العربي والفن التشكيلي ، وكان لقسم الفنون الجميلة في جامعة ذمار والحديدة ومعهد جميل غانم والمركز الوطني للفنون ، الاثر الكبير في تواصل واستمرارية حركة الفن التشكيلي في اليمن الذي عكس صورة مشرفة ومشاهد ولوحات تدل على عصر ذهبي للفن الراقي.

وقد أشتهر في تلك الفترة الذهبية عدداً من الخطاطين الكبار من بينهم ناصر النصاري الذي شارك في عدد من مسابقات الخط العربي في تركيا ، وبرع محمد الربع ، والمحفدي للخط على الزجاج وآخرين .

وفي فن التصوير الفوتغرافي لمع نجم الفنان الكبير عبدالرحمن الغابري الذي جمع بين فن الغناء والتصوير الفوتغرافي والثقافة.. وعبدالله حويس عبدالفتاح عبدالولي وعبدالرحمن بدر العبسي وفؤاد مقبل في التصوير الجداري وفؤاد الفتيح في التصوير الزيتي وفؤاد الحرازي ومحمد حويس وحامد القعود وعادل حويس وآخرين

لقد تحولت الفنون الجميلة في اليمن الى مدارس لصناعة وتعليم وصقل المواهب ، فنون الخط والرسم والتصوير وتسويق الجمال والابداع من وحي البيئة اليمنية والخيال النادر والثقافة الزاخرة والتاريخ العظيم والحضارة الراقية.

أخيراً .. عمالقة الفنون الجميلة أكثر الناس ابداعاً وجمالاً وحضوراً وحساسية ومعانة واحتراقا ًتارة بسبب"النرجسية"واخرى بسبب الازمات السياسية والاقتصادية وثالثة بسبب الاهمال والتهميش الرسمي الذي وقف عائقاً أمام انصاف ودعم وتكريم الكثير من تلك الهامات التي ساهمت في اثراء الحركة الفنية والتاريخ المعاصر ورفع اسم اليمن في المحافل الاقليمية والدولية وما هاشم علي وعبدالجبار نعمان وفؤاد الفتيح واحمد الاشول وهلال الفحل وحيدر غالب وعبده حذيفي وعبدالجليل السروري ومحمد الشيباني وآمنة النصيري وصبري الحيقي وحكيم العاقل الا نموذجاً لذلك الجمال الآسر ، وهناك نجوم ساطعة لم تسعفني الذاكرة على الاشارة اليهم فالمعذرة.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم أين تلك النجوم والكواكب اليمنية الساطعة في سماء الخط العربي والفن التشكيلي وفضاء الكاريكاتير وأين تلك الاقلام الذهبية والايدي الانيقة وفُرَش الرسم الساحرة والابداع العظيم يعكس بساطة الامكانيات وحلاوة الحياة والمهنية العالية الذين حولوا الصحافة اليمنية الى خطوط وعناوين ورسوم في قمة الابداع والاتقان والزخرفة والجمال الانساني واللوحات والمعارض التشكيلية الى مشاهد حية نابضة بالالوان الزيتية والمائية التي أثرت وخطفت قلوب وعقول واحاسيس الجمهور اليمني والعربي المتذوق الذي وصل الى درجة من الوعي والنضوج والمدنية والايمان بالعلم وفنونه وفي الطليعة فنون الخط العربي والرسم التشكيلي والتصوير الفوتغرافي.. كيف غابت تلك الاسماء اللاعمة والاعمال الساطعة وأين نحن اليوم من كل ذلك الجمال في عصرالقُبح وأين مخرجات تلك المدارس وأهتمام الدولة ودور وزارة الثقافة!!؟.
shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس