بقلم/ محمود كامل الكومي
خمسة وخمسون عامًا مرّت على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وما زالت صور جنازته العظيمة محفورة في وجدان المصريين والعرب.
كانت أكبر جنازة في القرن العشرين، إذ خرجت الملايين في شوارع مصر والمدن العربية والعالم الثالث باكية، وكأنها تودّع الحلم الذي عاشته مع قائدها.
لم يكن ناصر مجرد رئيس دولة، بل كان رمزًا لكرامة الأمة وأملها في الحرية والعدل.

عبد الناصر أعاد إلى المصريين إنسانيتهم، ففتح أبواب العدالة الاجتماعية، ونقل ملايين الفلاحين والعمال من الهامش إلى قلب الحياة.

كانت معركة السد العالي ومن اجلها تأمبم قناة السويس عنوانًا لاستعادة الإرادة الوطنية، ومشروعًا أعاد القناة
إلى حضن مصر بعيدًا عن أي وصاية خارجية.
وعلى اثرها قضى على الإمبراطورية التى كانت لاتغرب عنها الشمس..فأفلت شمسها.

لكن أثره لم يتوقف عند حدود مصر، بل تجاوزه ليصبح زعيمًا لحركات التحرر في العالم. رفع راية حق تقرير المصير، وكان نصيرًا لثورة الجزائر حتى نالت استقلالها، وساند ثورة اليمن فمهّد الطريق لتحرر الجنوب العربي من الاستعمار البريطاني.

وفي ليبيا، وقف إلى جانب ثورة الفاتح، وفي فلسطين كان منذ البداية مدافعًا عن قضيتها، ساعيًا لحقن دماء شعبها في مواجهة آلة البطش الصهيونية.ومات بعد ان حقن دماء اهلها.

سياسيًا، مثّل ناصر العنوان الأكبر لحلم الوحدة العربية، وأثار قلق القوى الاستعمارية التي رأت في صعوده تهديدًا لمصالحها. لذلك لم يكن غريبًا أن تشهد إسرائيل فرحًا يوم وفاته، كما لو أنها أنجزت خطوة في مشروعها التوسعي من النيل إلى الفرات.

إن رحيل عبد الناصر لم يكن نهاية مرحلة، بل بداية سؤال مفتوح للأمة: هل نستطيع استعادة مشروع العدالة والحرية وتطهير العالم العربي من الامبريالية والصهيونية ...الذي بشّر به؟
الجماهير التي شيعته بالملايين لم تكن تودّع شخصًا، بل تودّع زمنًا آمنت فيه أن الكرامة ممكنة، وأن التحرر واقع لا حلم.

واليوم، ونحن نرى الأمة العربية مثقلة بالتحديات والانقسامات، يبقى إرث ناصر دعوة متجددة لإحياء روح التضامن والعدالة. فالقضايا التي ناضل من أجلها – من فلسطين إلى الاستقلال الوطني، ومن العدالة الاجتماعية إلى الكرامة الإنسانية – ما زالت قائمة، وكأن التاريخ يذكّرنا بأننا لم نغادر زمن التحدي بعد. رحل ناصر، لكن صوته لا يزال يدوّي: إن الأمة التي تريد الحياة لا بد أن تنتصر.

حول الموقع

سام برس