بقلم/ محمود كامل الكومي
في ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، تنحني القلوب إجلالًا لكل جندي مصري وسوري حمل السلاح بشرف ودافع عن تراب الوطن بدمه وعزيمته.
تحية قلادة الحرب إلى أبطالها العظام: إبراهيم الرفاعي، فارس الظل الطويل الذي دوّخ العدو ببطولاته، والفريق سعد الشاذلي، عقل المعركة وروحها، ومحمد أفندي أول من رفع علم النصر على الضفة الشرقية، وعبد العاطي صائد الدبابات الذي دوّى اسمه في وجدان الأمة.

وتحية تقديرٍ خاص إلى من أعادوا بناء الجيش المصري بعد نكسة يونيو: الفريق محمد فوزي والشهيد الفريق عبد المنعم رياض، أولئك الذين رمموا الكرامة من تحت الركام، وصنعوا جيشًا قادراً على الثأر والتحرير.

لكن يثور السؤال المرّ:
كيف يُسجن الفريق فوزي ، باني الجيش المصري ، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تستعد لمعركة التحرير؟
أليس هو من وضع مع الرئيس جمال عبد الناصر الخطط الأولى لاسترداد سيناء ، وبنى الرجال والسلاح والعقيدة القتالية؟.

كيف يُزجّ بهذا القائد الوطني في غياهب السجون، بينما يُستدعى من بيته أحمد إسماعيل علي ليُعيَّن وزيرًا للحربية ويقود المعركة، وهو الذي غادر الجيش إبان حرب الاستنزاف ، بعد عملية إبرار قام بها العدو في أحد المواقع على الجبهة المصرية دون أن يتحرك؟
والأدهى من ذلك أن أحمد إسماعيل كان يعاني من بوادر مرض السرطان عند اختياره، ورغم ذلك أصرّ السادات على تعيينه، وكأن المقصود لم يكن حرب تحرير بقدر ما كانت حرب تحريك، تُمهّد لحالة "اللاسلم واللاحرب"، تنفيذًا لرؤية كيسنجر في "السلام الأمريكي المفروض".

ولذلك لم يكن غريبًا أن يُقال الفريق سعد الشاذلي فور وقوع الثغرة، لأنه كان صاحب الموقف الوطني الصلب، لا يعرف المساومات.
إن نصر أكتوبر الحقيقي لم يكن وليد لحظة، بل هو ثمرة حرب الاستنزاف الطويلة، "حرب الألف يوم"، التي صاغت رجالًا من طراز فريد، خبروا القتال وذاقوا مرار الصبر والعذاب من أجل أن ترفرف راية الوطن.

نصر أكتوبر هو روح جمال عبد الناصر التي سرت في دماء المقاتلين، وهو صدى صوت عبد المنعم رياض الذي استُشهد في الميدان وسط جنوده، وهو إرادة كل شهيد وجندي وضابط لم يساوم على شرف المعركة.

أما الذين صنعوا البطولات، فبقيت ذكراهم في ظلال التاريخ، بينما تصدّر المشهد من لم يطلق رصاصة في وجه العدو.
فلتكن ذكرى أكتوبر دعوة لرد الاعتبار لهؤلاء الرجال ، ولنكتب أسماءهم على صخر الذاكرة الوطنية، حيث لا يطالهم نسيان ولا تزيفهم الروايات المصطنعة.

*كاتب ومحامي...مصري

حول الموقع

سام برس