بقلم / عادل حويس
في بلد أنهكته الحروب والفقر والبطالة ظهر عدو جديد لا يحمل سلاحا ولا يطلق رصاصا لكنه يقتل بصمت من داخل الجسد. "شمة الحوت" أو ما يعرف بين الشباب بـ(HoT) تحولت من مجرد مادة مخدرة إلى ظاهرة مرعبة تحصد أرواح الشباب في عمر الزهور وسط صمت رسمي يثير الدهشة... أو ربما الاشمئزاز.
أطباء يمنيون مختصون في مكافحة الأورام السرطانية كشفوا عن تزايد خطير في أعداد المصابين بالجلطات القلبية والدماغية بين الفئة العمرية من عشر إلى ثلاثين عاما. المأساة لا تتوقف عند هذا الحد، فالإحصائيات تشير إلى تسجيل ما يقارب 4918 حالة إصابة منها 395 حالة بسرطان اللسان و189 حالة بسرطان تجويف الفم. ومع ذلك ما زالت عبوات الحوت تعرض في البقالات ومحلات الدخان بكل فخر وكأنها سلعة وطنية يجب دعمها!
العبوة الواحدة التي كانت تباع بـ200 ريال قفز سعرها إلى 1200 ريال في سوق سوداء تحترف تجارة السموم. الكيس الصغير يحتوي على عشر حبات فقط لكنها كافية لتدمير الكبد والرئتين والكليتين والأسنان واللثة وتشويه الفم وإصدار رائحة كريهة تجعل المتعاطي منبوذا حتى من نفسه. ومع هذا الخراب الصحي، تبقى "شمة الحوت" مطلوبة بشدة فالإدمان لا يرحم والفراغ لا يغلق إلا بموت بطيء.
الفضيحة ليست في انتشار هذه المادة فحسب بل في الطرق التي تدخل بها البلاد. تجار الشمة والمخدرات يمررونها عبر المنافذ البرية والبحرية دون أن يوقفهم أحد وكأنهم يحملون معونات إنسانية! والسلطات كعادتها تراقب بصمت عجيب وربما تنتظر أن يصدر قرار من السماء لإغلاق هذا الباب.
قال الله تعالى: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، لكن شبابنا يلقون بأنفسهم إليها ليس لأنهم يريدون الموت بل لأنهم فقدوا طعم الحياة. كيف نطلب من شاب بلا عمل ولا أمل أن يقاوم الإدمان؟ وكيف نلومه على خطأ في حين أن الدولة لم توفر له حق البقاء الكريم؟
إن "شمة الحوت" ليست مجرد مادة سامة بل مرآة عاكسة لواقع أكثر سمية واقع جعل من حياة الشباب حقل تجارب لكل ما هو قاتل. والمفارقة المؤلمة أن الجهات المعنية ما زالت في سبات عميق بينما شباب الوطن يذوبون ببطء تحت تأثير هذا السم الأبيض الذي يباع على الأرصفة.
رسالتي لكل أب وأم : انتبهوا لأبنائكم قبل أن يخطفهم هذا الوباء الصامت.
علموهم أن الرجولة ليست في لفة "حوت" بل في القدرة على قول "لا" لكل ما يدمرهم.
وأما إلى المسؤولين، فلا نطلب معجزة فقط قليلًا من الإحساس. فالوطن الذي يترك شبابه فريسة للإدمان لا يملك مستقبلًا يستحق.


























