بقلم/ علي أحمد مثنى
الحال الراهن للأمتين العربية والإسلامية في معظمه مخيف مُزْرٍ مُصاب بفيروس تَوالُـد الحروب والصراعات بمتوالية هندسية، ولم يستقر الحال حتى عَقْد زمني واحد تستطيع به هذه الأمة المنكوبة -ببعض أبنائها الأشقياء- تحقيق منجزات تواكب متطلبات العصر أو تتقارب بمعدل أقل مع ما تحقَّق لدول العالم من نهضة اقتصادية واجتماعية وتعليمية وتكنولوجية، أنتجت الرفاهية والعيش الكريم لشعوبها رغم ندرة مواردها، مقارنةً بما يتوافر لأمتنا من ثروات لا حَصْرَ لها؛ وقد تزامن استقلالها مع استقلال العرب من الاستعمار الغربي بكل تنوُّعاته وزمانه..
•من أهم أسباب انحطاط هذه الأمة (الصراع على السلطة ومغانمها، نتج عنه بحرٌ من الدم والدمع وهدر المقدرات وتهجير العقول والمال للبلدان التي وفَّرت الظروف المختلفة لتطوُّرها ونهضتها، واتبعت أسلوب العدل والمساواة ومكافحة الفساد بكل أشكاله، وتجريم التبعية والارتهان للغرباء أيَّـاً كانت المبررات، فاصبحنا أمةً فاسدةً مرتهنةً معطَّلةً متناحرةً تعيش ثقافة الموتى وتُقدّس موروث الثأر والعصبية.. (قِيل لأعرابي: أتعفو عن ثأرك وتدخل الجنة، قال: آخذ بثأري وأدخل النار !!!)..
•خرج المستعمر من أقطارنا العربية وقد استنسخ لنفسه وكلاء وأيادي وسخة نجسة ظالمة من أبناء جلدتنا تحقق له ما يريد دون خسائر أو تكلفة بل وحصل على مكاسب كبيرة وكثيرة، سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وغيرها، بربحية مريحة نتيجة قبول أتباعه بما يمليه دون أي اعتراض أو مراعاة للمصالح الوطنية والقومية؛ ليستمر نهب واستنزاف مخزون الثروة وعوائدها حتى أفرغت الخزنة بطرق فساد شيطاني تتنوع حسب مقتضيات الحاجة والعصر بما يؤمّن مصالح الأجنبي ويحافظ على دوام الجلوس على الكرسي، فالتابع يتبع المتبوع والتزام عشاق السلطة والتسلُّـط.. ومن موروثنا العربي التاريخي التمسُّك بقاعدة: (أعطني الإمارة ولو على الحجارة)..
من أقوال ابن خلدون يرحمه الله: "الظلم يبشّر بخراب العمران..، المغلوب يقلد ثقافة الغالب"..
•مايجري في السودان الشقيق من اقتتال منذ يوم السبت الموافق (15أبريل 2023م) حتى الآن، هذا البلد الكبير (مساحةً وسكاناً وثرواتٍ ومعادنَ ثمينةً منها الذهب الأسود والأبيض والأصفر والفضي واليورانيوم النقي وثروات بكل الألوان) وهو البلد المعروف (بسلة الغذاء العربي)، لو كان للعرب إرادة مستقلة لتأمينه فهذا هو أساس الأمن الرئيسي قبل العسكري.. وبهذا الخصوص تقول منظمة الفاو (FAW): إن المساحة الصالحة للزراعة في السودان تُقدَّر بحوالي (71 مليون هكتار) لو تمت زراعتها لموسم واحد بالوسائل الحديثة لَأنتجت محاصيل حبوب وفواكه وحيوانية.. الخ، تؤمّن غذاء (800 مليون إنسان) لعام كامل..
•السودان أصبح بلداً مُمزَّقاً مُشطَّطاً بفعل جرائم الحرب، نقلته حالياً من (مرحلة الإنهاك البطيئ إلى مرحلة الإنهاك السريع) بفعل ما يُقدَّم من دعم وإسناد كبير وسريع لقوات الدعم السريع المعروفة بميليشيات (الجنجويد) التي ترتكب جرائم قتل ضد المدنيين دون أي رادع من قِـيَم دينية أو إنسانية أو أخلاقية وطنية، ضجَّ لها الضمير الإنساني العالمي وعبَّر عنها بأشد عبارات التنديد..
* السودان في محنة، والعرب البعض منهم يتفرج، والبعض يقدّم الدعم المالي والعتاد العسكري والتبرير الإعلامي.. وهناك دولة عربية (الإمارات) يتهمها السودانيون والعالم بأنها الآلة التي تشق الطريق الذي يحقق للدول الأجنبية والمعادية مآربها ومطامعها في ثروات السودان والوطن العربي.. وبضعف السودان تُستهدَف جمهورية مصر بتنفيذ مخطط محاصرتها من مختلف الاتجهات المجاورة لها (السودان فلسطين، ليبيا، وبلاد الشام بتهديد أمنها القومي وتهميش دورها الحيوي المعروف في سياستها الخارجية نطاق الدوائر الثلاث (العربية، الإسلامية، الأفريقية). وحتى تظل في حالة جهوزية عسكرية وأمنية تستنزف مواردها وتعطل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الطموحة من جانب، وكذلك الاستعداد لكل محاولات تهديد تأمين حصتها من مصادر مياه حوض النيل (مصر هِبة النيل) وغيرها..
(حرب السودان جزء من إعادة تشكيل الشرق الأوسط)
* يقول أ. جبريل إبراهيم وزير المالية السوداني: هذه الحرب ليست حرب الدعم السريع ولا حرب الإمارات، الحكاية هي حرب الغرب واليهود وجزء من مشروع إعادة تشكيل الشرق الاوسط ومن حرب الشام الكبرى (فلسطين وسوريا ولبنان والأردن).. فقد ضربت العراق واليمن وليبيا والدور علينا، وحالياً ماشيين على الجزائر ليتأكدوا أنهم أحاطوا بالهدف النهائي حول مصر، ولذلك فالاستهداف كبير لن ينتهي الليلة أو بكرة..
* كل هذا التدمير لبلاد العرب أوطاني، بتآمر وخطط وسلاح الغرب الاستعماري وتمويل وتسهيل عربي؛ ولا ندري هل للشركاء العرب في هذه الجرائم مصلحة.. وهل يعتقدون أن الأجنبي سيكتفي بهذه الخدمات أم سيأكلها ولو بعد حين بعد أن يأكل الثور الأسود والأحمر، وحينئذ سيبكون كما تبكي النساء.. ويكفي قراءة تاريخ آخر أمراء الطوائف في الأندلس (عبدالله الصغير) الذي لم يَحْمِهِ المال المكنوز ليبقيه ويحمي مُلْـكه..
•ما يجري من جرائم في مناطق قتال جغرافية السودان وبالذات في دارفور ومنطقة الفاشر، تقشعر لها الأبدان وتصل إلى درجة الإبادة الجماعية، لم تَـنْـجُ منها حتى المستشفيات... ويتوارد سؤال: هل من الأهداف الخفية لهذه الجرائم التبرير لما فعلته إسرائيل من حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة؟.. وعلى قاعدة ما أحد أحسن من أحد.. ومن الأقوال المأثورة :(لا تسأل الطغاة لماذا ظلموا ؟، بل اسأل العرب لماذا ركعوا للغريب
• ختاماً.. يقول أحد الشعراء الشباب من السودان:
* للموت أكبر كعكة في عيد مولده
تضجُّ بلحمنا وتزخرف
* يتهافت الموت العجوز وظِله من فوقها
حتى تُحاط فتخسفُ
* فإذا انقضى الكعك المُعَدُّ بلحمنا
غدت الدماء له خمور تُرشفُ
•والسلام من أسماء الله الحسنى.. والله أكبر فوق كيد المعتدين.


























