بقلم:/ زكية الفقيه
في زمنٍ تتكاثر فيه الشعارات وتعلو فيه الأصوات مدّعية الانتماء، تبقى الوطنية الحقيقية هي المعيار الأصدق لقياس حب الوطن، ذلك الحب الذي لا يُقاس بالكلمات الرنانة ولا بالصور المرفوعة، بل بما يقدمه الإنسان في واقعه اليومي من عطاء، التزام، وإخلاص.

إن الوطنية ليست مناسبة نحتفل بها ثم ننساها، بل هي سلوك دائم يظهر في تفاصيل الحياة اليومية: في احترام النظام، والمحافظة على الممتلكات العامة، والتمسك بالقيم، والإخلاص في العمل مهما كانت الظروف. فكل من يؤدي واجبه بإتقان وإخلاص هو وطني حقيقي، وكل من يسعى لبناء الوطن بصدق هو جندي في صفوفه، حتى وإن لم يحمل سلاحًا.

الوطنية الحقيقية تعني أن نضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والفئوية، وأن نؤمن بأن قوة الأوطان تُبنى بتكاتف أبنائها لا بخلافاتهم. فالوطن ليس فئة ولا حزبًا ولا منطقة، بل هو الكل الذي يجمعنا، والمظلة التي نحتمي بها جميعًا.
إنها روحٌ صافية لا تعرف الكراهية، وإيمانٌ بأن النقد البنّاء من أجل الإصلاح هو شكل من أشكال الوطنية، ما دام الهدف هو الخير العام لا الهدم أو التشويه.
وفي واقعنا اليوم، نرى صورًا مضيئة للوطنية تتجلى في المعلمين الذين يواصلون رسالتهم رغم الصعوبات، والأطباء الذين يسهرون على أرواح الناس بإخلاص، والعاملين الذين يؤدون مهامهم بصمت وشرف، والمواطنين الذين يرفضون الفساد ويحافظون على النظام. هؤلاء هم وجه الوطن الحقيقي، وهؤلاء هم من يستحقون أن تُرفع لهم التحية.
الوطنية لا تُشترى ولا تُمنح، بل تُولد من الإيمان العميق بأن الوطن بيتنا الكبير ومسؤوليتنا المشتركة. فكل كلمة صادقة تُقال من أجل بنائه، وكل يد تمتد لتزرع خيرًا فيه، هي ترجمة عملية لمعنى الوطنية الصادق.
وحتى تبقى هذه القيم متقدة في قلوب الأجيال، علينا جميعًا – مؤسسات وأفرادًا – أن نغرس حب الوطن في التعليم والإعلام، وأن نُبرز النماذج المشرقة التي تمثل القدوة الحسنة في خدمة المجتمع.
فالوطنية ليست شعارًا نردده، بل سلوكًا نعيشه، وموقفًا نثبته، وعهدًا نخلص له ما حيينا.

حول الموقع

سام برس