بقلم/ محمود كامل الكومي
في مشهد غير مسبوق ، يتغير وجه نيويورك السياسي مع فوز زهران ممداني ، المسلم الاشتراكي ، بمنصب عمدة المدينة التي تُعدّ عاصمة المال والإعلام في العالم.

لم يكن هذا الفوز مجرد تناوبٍ ديمقراطيٍّ على السلطة ، بل زلزالاً في قلب وول ستريت ، وهزيمة رمزية لهيمنة اللوبي الصهيوني الذي طالما وجّه دفة السياسة الأمريكية من وراء الستار.

لقد جاء ممداني متحدّياً واقع مدينةٍ تصرخ من تحت أقدام المليارديرات ، حيث تُنهب عرق العمال وتُهمّش الطبقات الكادحة، وحيث المال القذر يُعيد إنتاج الفقر والتمييز. غير أن التحدي الأكبر الذي واجهه، هو كسره لحاجز الصمت حول جرائم الاحتلال ، وإعلانه بجرأة في أولى كلماته:

"نعم، أنا مسلم... نعم، أنا اشتراكي... وأنا هنا من أجل غزة، من أجل الأطفال الذين استشهدوا، من أجل محاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل."
كانت تلك الكلمات كالرصاصة التي تخترق جدار الصمت الأمريكي الطويل. ففي الوقت الذي صمت فيه حكام العرب، كان دم أطفال غزة يصرخ من شاشات الهواتف في شوارع نيويورك، يوقظ الضمير الأمريكي النائم، ويعيد تعريف العدالة في عيون الجيل الجديد من الشباب الذين خرجوا يهتفون ضد الحروب والتمييز.

لقد تحولت المظاهرات التي عمّت الولايات المتحدة إلى حركة وعي جديدة، لم تكتفِ برفض مافيا المال وجشع الشركات، بل حملت أيضاً شعاراً إنسانيًّا: "كرامة الإنسان لا تُجزّأ، سواء في بروكلين أو في غزة."
إن فوز ممداني لا يعني أن أمريكا انقلبت بين ليلة وضحاها، لكنه مؤشرٌ واضح على أن التغيير بدأ من الداخل، وأن الرأسمالية المتوحشة واللوبيات المهيمنة لم تعد قادرة على إسكات ضمائر الناس. إنه نداء من قلب أمريكا الجديدة التي بدأت تغسل وجهها من دنس العنصرية، وتتحرر من قيود الصهيونية السياسية.

اليوم، قد نرى نيويورك تعود إلى معناها الإنساني، لا كمركزٍ للاستثمار فحسب، بل كمنارةٍ للعدالة الاجتماعية وحقوق الشعوب. وربما، في زمنٍ قريب، تعتذر أمريكا عن خذلان الثوار، وترفع صور جمال عبد الناصر وتشي جيفارا ومانديلا في شوارعها، لتعلن عهداً جديداً يُنصف المستضعفين في فلسطين وكوبا وفنزويلا وكل بقاع الأرض.
نعم... لقد كان دم أطفال غزة أقوى من كل دعاية، أصدق من كل خطاب، وأبقى من كل لوبي.
ذلك الدم الذي لم يجفّ بعد، صار اليوم هو من يرسم ملامح فجرٍ جديد في قلب نيويورك.
ويبقى السؤال الأهم .. هل يتحمس الشعب العربي ليغير الواقع ..؟

*كاتب ومحامي مصري

حول الموقع

سام برس