بقلم / عادل حويس
في اللحظة التي كانت فيها أنظار العالم مسلطة على واشنطن لمتابعة مراسم قرعة كأس العالم 2026 خطف مشهد آخر الأضواء وأشعل سجالا لا يبدو أنه سيخمد قريباً.
فحين صعد جياني إنفانتينو لمنح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول جائزة سلام في تاريخ الفيفا لم يكن الأمر مجرد حركة بروتوكولية أو خطوة رمزية يمكن تجاوزها. لقد كانت لحظة كاشفة لميلان ميزان الحياد الذي ظل لسنوات طويلة أحد الأعمدة الأخلاقية التي تستند إليها الرياضة العالمية.
لم يأت التكريم من فراغ ولم يكن وليد اللحظة بل بدا تتويجا لمسار معلن من التقارب بين رأس الهرم الكروي ورئيس الدولة المضيفة للمونديال القادم.
تقاطعات سياسية إشادات متبادلة وتصريحات حملت في طياتها ما يتجاوز حدود الرياضة وصولا إلى ترويج شعارات انتخابية داخل سياق دولي يفترض أن يبقى بعيدا عن كل ما هو حزبي أو دعائي. خطوة جعلت العالم يتساءل بوضوح: أين انتهت حدود الرياضة وأين بدأت السياسة؟ وهل ما زال للحياد مكان داخل مؤسسات باتت تتحرك بثقة داخل مناطق شديدة الالتباس؟
الإشكالية لم تتوقف عند حدود الجائزة ولا عند هوية المتوج بها بل امتدت لتضع الفيفا نفسها تحت مجهر التشكيك. منظمات حقوقية ومتابعون أثاروا أسئلة صريحة حول غياب معايير معلنة تمنح الجائزة مصداقية وحول إمكانية اتخاذ القرار بشكل انفرادي بعيدا عن قنوات الفيفا المؤسسية المتعارف عليها. وعندما تتحول جائزة يفترض أن تكون رمزا للسلام إلى هدية مصممة بعناية لشخص بعينه فإن قيمتها تتاكل ومعها تتراجع مكانة المؤسسة التي تمنحها.
تباين ردود الفعل العالمية كان انعكاسا مباشرا للشرخ الذي أحدثه هذا القرار. دائرة ضيقة احتفت واعتبرت الجائزة "مستحقة" بينما توسعت دائرة الصدمة والسخرية والرفض لدى شريحة أكبر من المتابعين الذين رأوا في الأمر خروجا صارخا عن مبدأ فصل الرياضة عن السياسة.
التحذيرات التي صدرت لم تكن صرخات مبالغة بل قراءة واقعية لتهديد يطال الثقة التي يمنحها الجمهور العالمي لمؤسسة تقود لعبة يتابعها مليارات البشر. فحين يتزعزع هذا الإيمان تفقد الرياضة قدرتها على الجمع وتتحول إلى ساحة انقسام وتوتر.
الحدث وإن بدا للبعض عارضا سيظل صفحة بارزة في سجل العلاقة بين الرياضة والسلطة.
فالتاريخ لا يحتفظ بالأسماء بقدر ما يحتفظ بالدروس. وما حدث ليس مجرد جائزة ولا مجرد قرار إنه اختبار لقدرة المؤسسات الدولية على الحفاظ على توازنها الأخلاقي وسط عواصف المصالح والضغوط. الخطر الحقيقي ليس في إرضاء قيادة سياسية أو استفزاز أخرى بل في خسارة البوصلة التي تجعل من الرياضة لغة مشتركة ومساحة نقية يتقاطع فيها البشر بعيدا عن صخب السياسة وحدة الأجندات.



























