بقلم/القاضي /حسن حسين الرصابي
بالأمس، أحيا اليمانيون ذكرى "جمعة رجب" الأغر، وهي في وجداننا ليست مجرد محطة زمنية في تقويم الأيام، بل هي "وثيقة الميلاد" الحقيقية لليمن في ظلال الإسلام، واليوم الذي تجلت فيه عبقرية هذا الشعب وفطرته السوية في الاستجابة لداعي الله.
لله دركم يا أهل اليمن..! ما أبهى طبعكم، وما أزكى طاعتكم..!
لقد اختصكم الخالق بمزايا قلَّ نظيرها؛ فأنتم الاستثناء في عمق الجذور، والفرادة في شموخ البنيان، والتنوع في مكنونات الثقافة.. حتى في سماتكم الظاهرة، من المهابة التي تكسو أزياءكم التقليدية إلى نصل "الجنابي" الذي يحكي قصة أنفةٍ وإباءٍ ضاربين في أعماق التاريخ.
إلا أن الذروة في هذا التفرد برزت في اعتناقكم للإسلام، وفي تلك الصورة المهيبة التي دخلتم بها دين الله. فمن غيركم ـ يا أبناء سبأ وحمير ـ هرع إلى رحاب المصطفى ﷺ برغبةٍ ملحة ونفوسٍ طيعة، وبصيرةٍ هادية، دونما إرغام أو ذل؟
لقد استنهضت وجدانكم برقيةٌ نبويةٌ موجزة؛ كلماتٌ معدودات في مبناها، لكنها كانت كفيلة لتهتز لها قلوب أولي البأس والشدة، فما كان منهم إلا الإذعان لخالقهم ومبايعة نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وآله.
أي شعبٍ غيركم يمتلك الحق في التيه فخراً بذكرى "أول جمعة من رجب"؟ تلك اللحظة التاريخية التي غدا فيها الإسلام بكم عزيزاً، وصرتم به أعزة؛ يوم أن عانقت أرواحكم هدي المصطفى ﷺ قبل أن تطأ أقدامكم عتباته، ويوم أن صدحت مآذن الجند وصنعاء بتوحيد الله، معلنةً فجر عهدٍ يمانيٍ جديد.
لذا، فليس من المستغرب أن تضيق صدور البعض غيرةً أو كدراً؛ يشتطون غيظاً لأنكم تملكون عيداً روحياً أصيلاً، لا ينازعكم في خصوصيته أحد. يحاولون وصم احتفائكم بـ "الابتداع"، في حين لا يجدون غضاضة في المحاكاة العمياء لتقاليد الغرب، أو تمجيد ذكرى ميلاد مشيخاتهم حديثة العهد بالوجود، أو حتى التباهي بمناسباتٍ عابرة لا تخدم ديناً ولا تبني حضارة!
عن أي "بدعة" يتخرصون؟ وهم الذين يقدسون كل زائل، بينما يستكثرون على "أهل المدد" الاحتفاء بيوم انعتاقهم من ظلمات الجاهلية إلى رحاب النور الإلهي. أيُّ عمىً أصاب بصائرهم حتى يجهلوا قدر اليمن ومكانة أهله في وجدان النبوة؟
ومهما كان ديدن المشككين، فقد أحيينا الذكرى بالأمس، وسنمضي في تعظيم هذا اليوم المهيب في كل عام، كما فعل آباؤنا وأجدادنا، وفاءً لإرثنا التاريخي، وترسيخاً لهويتنا الإيمانية، وتجديداً للميثاق الغليظ مع منهج الحق.. غير آبهين بضجيج المرجفين.
هنيئاً لكم ـ يا تيجان العرب ـ هذا الاصطفاء الإلهي، ومباركٌ لوطننا "عيد ميلاده الأول" الذي يتجدد فينا يقيناً وحكمةً كلما أطل شهر رجب الحرام.
وكل عام وأنتم، واليمن العظيم، وفلسطين الأبية، وكل أحرار الأمة بألف خير وعافية.


























