بقلم / د .عبدالعزيز المقالح
بعد ثلاثة أيام فقط تطل على الوطن العربي ذكرى أم الهزائم بما تبقى من آثارها وتداعياتها وهو كثير ومعاش. وتجدر الإشارة إلى أن هناك رغبة متعمدّة في طمس الذاكرة العربية والدفع بالناس في هذا الوطن العربي إلى فقدان ذاكرتهم في محاولة هادفة من شأنها أن تجعلهم يتعايشون مع هزائمهم وكأنها جزء لا يتجزأ من حياتهم الذابلة دون أن يتساءلوا عمن صنع الهزيمة الأولى، من كان وراءها، ومن خطط لها. بالتأكيد ليست الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني هما وحدهما من حرّض وخطط ونفّذ ، ولا الدول الأوروبية المتواطئة والمتورطة أيضاً، هناك قوى عربية أسهمت وحرّضت وموّلت العدوان وكان لها دورها غير المنظور في الترتيب للهزيمة التي ما يزال الوطن العربي يلعق جراحها حتى اليوم، وكانت هي من فتح الباب واسعاً للتراجعات والانكسارات والخذلان. ولا ينكر أحد أن مصر العزيزة حاولت بعد الهزيمة وحاولت معها أقطار عربية أخرى القيام بسلسلة من الانتصارات إلاّ أن حجم الهزيمة كان أكبر من أن تخفف من هوله تلك الانتصارات أو تقلل من أثره العالق في النفوس.

بعض الكتَّاب العرب الغاضبين وفيهم بعض الحاقدين كانوا يتهمون القيادة العربية في مصر بأنها قللت من خطورة الهزيمة عندما أعطتها صفة النكسة، وعذر هؤلاء أنهم لا يعرفون اللغة العربية ولا يدركون دلالات مفرداتها، ولو قد أدركوا ذلك ما وقعوا في هذا الخطأ ولأمكنهم إدراك دلالة النكسة بوصفها أقسى وأمرّ دلالة من الهزيمة. الشعوب عادة تُهزم في معركة أو في مجموعة معارك لكنها تنهض وتواجه الهزيمة ولو بعد حين، لكن النكسة في دلالتها اللغوية تقلب الأمور رأساً على عقب وتحتاج الشعوب للتغلب عليها إلى جهود مضاعفة . لقد انتكس في 5 يونيو 1967م الواقع العربي كله وانتكس معه البنيان الوطني والقومي، وفتحت النكسة اللعينة الباب لظهور قوى حاقدة لا تخفي فرحتها بالنكسة والاستفادة من آثارها الخطيرة من خلال وضع نفسها بديلاً فكرياً وسياسياً لمنظومة التوجهات العربية الرامية إلى وحدة الأمة وتحرير مواطنيها من الفقر والعبودية ومقاومة كل الأشكال الاستعمارية قديمها وجديدها ، قواعد عسكرية أو هيمنة اقتصادية.

كان واضحاً -يومئذ- أن مصر لم تكن وحدها الهدف كانت الأمة العربية كلها مستهدفة، العقل العربي ، والتنوير العربي كلها كانت مستهدفة وقد أكدت الاحداث المتعاقبة حقيقة ذلك. ومن خلال بعض مذكرات الضالعين في النكسة ترتسم التفاصيل ويتجلى ما كان مخفياً عن أدوار بعض الشخصيات والأنظمة. كما اتضح بجلاء أكبر ما كان قد حققه الوطن العربي في مناخ أوليات التضامن الفاعل من تقدير دولي وما كانت تبديه القوى الكبرى من استجابات للمطالب العربية، لقد كانت دول العالم تضع ألف حساب للعرب ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى أن الكيان الصهيوني ومعه النظام العنصري في جنوب أفريقيا كانا منبوذيْن ومقاطعيْن من العالم كله، لكن الحال بعد النكسة تغير كثيراً، ولعبت قيادة "كامب ديفيد" دوراً مخجلاً في دعوة عدد من العالم إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتسارعت بعد ذلك تداعيات الهزيمة إلى أن وصلت في هذه المرحلة إلى ما نراه ونخجل من الصمت عليه .

ولابد هنا من الاعتراف بأن أسوأ ما تركته النكسة أو الهزيمة هو ذلك الشعور المريض الناتج عن فقدان المواطن العربي قدرته على الانتماء، وما تركته هذه الحالة من ضعف يتزايد يوماً بعد يوم تجاه الهوية العربية. وكان بعض المتابعين باهتمام للشأن العربي يدركون أن ذلك الشعور مؤقت، لكن الأيام أثبتت أنه أخذ يتأصل لتحل محله الطائفية والإقليمية، وربما ساعد على ذلك إحساس تقبل بالعجز عن مواجهة الدعوات المضللة للتفتيت والأقلمة وغياب المواقف المتحدية للآثار التي تتركها النكسات والهزائم المتلاحقة ويشير واحد من كبار الكتّاب في العالم إلى أن الحكام –وحكام الشرق خاصة- حريصون على إخفاء أي حقيقة قد تبدو مزعجة أو غير متسقة مع ما يريدونه ومن هنا تكاثرت الأخطاء وتراكمت.

الاقتصادي سامي محمد عبدالله المونسي في كتابه (سياسات تسويق النفط اليمني وتأثيرها على الاقتصاد الوطني:
?هو واحد من الكتب المهمة والجادة التي يأتي صدورها في الوقت المناسب، والمؤلف يقدم أدق المعلومات المتعلقة بواقع التسويق النفطي في بلادنا بالأرقام والتفاصيل كما يشير إلى غياب المنهج العلمي المتكامل لتسويق النفط وإلى معرفة الاساليب والسياسات العلمية التي ينبغي أن يؤخذ بها في هذا المجال يقع الكتاب في 224 صفحة من القطع المتوسط.




تأملات شعرية:
يمضي بنا الزمان
يوماً بعد يومٍ
ليلةٌ وراء ليلةٍ
ونحن في حبال الوهم
عالقون.
يمضي بنا الزمان
حزناً بعد حزنٍ
نكسةً وراء نكسةٍ
ونحن مثلما كنا
نجهل ما كان وما يكون.

حول الموقع

سام برس