بقلم / السفير ابراهيم يسري
كان قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول يعتبر في حد ذاته عقوبة شديدة في القرنين الماضيين ، الا انه فقد الكثير من تأثيره في العقود الأخيرة ، و كاد يندثر في القرن الواحد و العشرين .

و أسفر الأمر عن بدائل أقوي أثرا و أشد وقعا و ذلك لأن النظرية الحديثة في العلاقات الدولية أصبحت تري أن الإحتفاظ بالتمثيل الدبلوماسي في حالة توتر العلاقات أو تضارب المصالح أو حتي وقوع مناوشات ذات طابع عسكري أو بين دولتين لا يبرر قطع العلاقات الدبلوماسية بل علي العكس نري حرص هذه الدول علي استبقاء بعثاتها في مثل هذه الحالات لأنه يبقي الباب مفتوحا للتسويات السياسية من خلال ابقاء الاتصالات علي مستوي عالي من جهة ، كما يمكن الدول من جهة أخري من التزود بالمعلومات أو الاتجاهات في الدولة التي تسوء فيها العلاقات.

و كذا فقد قطع العلاقات الدبلوماسية مدلوله و قوته و اصبح اجراءا شكليا يندرج في قائمة الشجب و الإدانة اللتين لم يعد لهما نتائج فعالة .

وعلي هذه الخلفية نري أن الهجوم الذي تم أمس 3 يناير من العام الجديد علي سفارة السفارة السعودية في طهران و قنصليتها في مشهد و محاولات تحطيمهما في مشهد عملا غير ودي يقترب من الاعمال العدائية فضلا عن مخالفته لقواعد القانون الدولي التي قننتها معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تنص علي تمتع البعثات الدبلوماسية بحصانة كاملة و مسئولية الدولة المضيفة في منع أي خروقات لهذا المبدأ من الجمهور أو أي جماعات معادية ، حيث يمكن التعبير عن الاحتجاج او الرفض لسياسة الدول بتنظيم مظاهرات سلمية بالقرب منها .

كما أن مواجهة هذه الأعمال التي تنتهك سفارات الدول بمهاجمتها أو اقتحامها أو القاء مواد حارقة او اجسام صلبة تتسبب في احداث حريق أو اضرار بها أو التعدي علي اشخاص أعضائها هوخرق صريح للقانون تترتب عليه مسئولية الدولة المضيفة السياسية و الاقتصادية و تحمل نفقات إصلاح ما تم حرقه أو تدميره من مبانيها أو منقولاتها .

غير أنه لن يكون له أثر في كبح جماح ايران عن المضي في مشروعها الخطير الذي لا يقتصر علي فرض نفودها في المشرق العربي و دول الخليج بل يتعدي ذلك الي المساعدة في تنفيذ المخطط الغربي الاسرائيلي في تفتيت و تقسيم الدول العربية الي كيانات صغيرة علي اسس عرقية و طائفية سعيا للخلاص من الهوية العربية و ما تبقي من التلاحم العربي و دعاوي القومية العربية.

و لعل أخطر أهداف هذا المشروع هو اصطناع وتأجيج الطائفية بين الشيعة و السنة و سعيها الممنهج في اجتثاث الوجود و النفوذ السني في المنطقة ، و قد ظهر ذلك بوضوح في العراق بمساعدة أمريكا ثم امتد لسوريا و لبنان و اليمن و شرق المملكة السعودية .

و لن نبالغ عندما نقول أن الأمة العربية تتعرض اليوم لأكبر الأخطار التي واجهتها منذ اواخر القرن الثامن عشر و أن الأمر وصل بنا إلي حرب البقاء ومقاومة الاتفتيت الذي يفرض علينا و تشارك فيه اوروبا الشرقية و الغربية و امريكا الي جانب اسرائيل.

و نلاحظ بكل اسي ان الدول العربية و خاصة دول الخليج لم تتخذ موقفا قويا موحدا مع الاجراء السعودي، وهو أمر متوقع تؤكده السوابق و توجهات حكومات عربية خليجية تنتظر الخلاص علي يد السعودية وحدها أو لأن لها سياستها الخاصة التي تلعب فيها علي الحبلين في شأن عربي جوهري لن يسفر عن نجاح محقق بل سينقلب الي كارثة في شأن وجودها ذاته .

و في تقديري أن الاعتداء علي السفارة السعودية في ظهران لا يخرج عن علم السلطات الايرانية ان لم يكن بتحريضها ، و لما كانت العلاقات الدولية تقوم علي قانون القوة و تتجاهل القانون الدولي ، فإن المشروع الإيراني الخطير لا يواجه بقطع العلاقات ، و لكنه يتطلب مواجهة قوية و فعالة ليس من خلال حرب معلنة بين جيوش الدول ، و لكن بالأسلوب ذاته الذي لعبته أمريكا بتأييد أوروبا شرقا و غربا و تشارك فيه ايران وهو تنظيم كيانات مستقلة عن الدول والاستعانة في تنظيمها و تسليحها جهات متخصة وتضم جنودا متطوعين من كل الدول الاسلامية و تتمتع بالقدرة علي استخدام القوة لمواجهة.

و ليس هذا بجديد فقد عبرت عنه في مقالات عنونت احدها ب ’’ حرب الملك سالمان ‘‘ و ما زلت أعتقد بل و اتوقع أن تقوم الأجهزة السعودية بهذه المهمة علي وجه السرعة مع التحسب الدقيق لردود فعل وضغوط امريكا و أوروبا الذي لن يتعدي الأساليب الدبلوماسية و المخابراتية و ربما الاقتصادية ، و ذلك ليس فقط لافشال المشروع الإيراني الغربي ولكن للحفاظ علي وحدة و سلامة المملكة.
كاتب مصري
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس