بقلم / عبدالكريم المدي
أُفضّلُ دائماً عدم الخوض في الأحداث التي تحمل صبغة طائفية أو يُمكن أن تُجير كذلك ، لكن بحكم الضرورة سأشيرُ بصورة عابرة لملمح من ملامحها من باب الربط والاستدلال.

لقد أدى حُكم الإعدام الذي نفّذته السلطات السعودية بحقّ رجل الدين السعودي، الشيعي ( نمر باقر النمر ) إلى خروج الأحداث عن غُرف التحكُّم في طهران والرياض وبغداد والضاحية الجنوبية ومناطق أخرى في باكستان وغيرها . ورافق ذلك،بل وهيجه – أيضا – خطاب إعلامي وسياسي وديني متشنّج انتجته عدد من تلك العواصم والمؤسسات والمراكز الدينية ، والتي صبّت جميعها الزيت على بقع النار الواسعة ودفعت في إتّجاه تصعيدي خطير كانت أبرز نتائجه الأولية اقتحام السفارة والقنصلية السعودية في كل من طهران ومشهد، ليتبعهما ،وفي أقل من (24) ساعة إعلان الرياض عن قطع علاقاتها وسحب سفيرها ودبلوماسييها من طهران وطرد السفير والبعثة الدبلوماسية الإيرانية من الرياض، وهذه الخطوة سرعان ما وجدت لها صدى في عواصم عربية اخرى كالمنامة والخرطوم اللتين سلكتا الدرب السعودي وأعلنتا عن قطع علاقاتهما مع إيران ، أما أبوظبي فقد آثرت السلامة وتحقيق الحد الأدنى من التضامن مع الشقيق ( السعودي ) والحد الأدنى ، أيضا ، من السخط ضد الشقيق اللدود على الضفة الأخرى للخليج ،حينما قررت تخفيض التمثيل الدبلوماسي لها مع إيران.

ما يُستشفُّ من هذا كله هو إن الصراع الطائفي بين أدعياء الزعامتين ( السُّنة – الشيعة ) فاق التوقعات ومقدرة الطرفين على إخفائه، وهذا هو ناقوس الخطر الذي يدفع بفريقيّ المتشائمين والمتفائلين معاً إلى الاتفاق بأن الأوضاع قد لا تتوقف عند هذه الحدود ، سيما في ظل الموقف الغربي / الأميركي الذي يبدو وكأنه يتخذ وضعية الحياد الكاذب ، ربما لهدف ما في نفس العم ( سام ) يُراد تحقيقه ، ولا نستبعد أن يُعيد التاريخ نفسه ، وعلينا هنا أن نتذكّر كيف كان الموقف الأميركي/ الغربي بين عامي (1990- 1990) من الاحتقانات والتداعيات السياسية والعسكرية بين العراق الكويت ، والتي أدّعت أميركا حينها عدم انحيازها لأي طرف ،بل أن سفيرة واشنطن لدى بغداد حينها ( بربرا بودين) أوضحت لصدام حسين عدم تدخل أميركا بأي خلاف عربي /عربي وتحديدا بين بغداد والكويت.

لتفتح بذلك الطُّعم السام شهية صدام للتعجيل في تأديب الكويت ومحاولةإبتلاعها ، وهذا الأمر لم يدم أكثر من شهر، ليتحول العراق بعد ذلك لفريسة سهلة، خائرة القوى سرعان ما غرقت أطرافها وأحلامها في رمال الكويت وجنوب العراق.

اليوم يبدو إن أميركا وحلفاءها يقومون برحلة صيد وتسلية جديدة ليس في البرية هذه المرة،والتي غالباً ما يستخدم فيها الرماح والأقواس، وإنما في مياه الخليج التي يجيدون فيها الصيد وإلقاء شباكه والانتظار لوقوع الفرائس القادمة فيها .
ما يدرينا ربما قد تكون هناك سياسة يعمل الغرب من خلالها على استكمال تفكيك منظومة الحكم في السعودية ، بعد أن أستهلتها الأخيرة بحربها المعلنة ضد اليمن في أواخر مارس (2015) وربما أن هناك خطة يُراد بها احداث تدمير ذاتي للدول وأنظمة الحكم في الخليج وإيران ، خصوصا بعد نجاح الخطة في نسختها الأولى في كل من( العراق – سوريا – اليمن – ليبيا ) سيما وأن أميركا لم تعد تكترث للورقة النفطية بعد أن صارت بفضل النفط الصخري المضاف لأكثر من (12) مليون برميل تنتجه يوميا من حقولها ،مصدرة له ومكتفية ذاتيا ، وهناك الكثير من الدول صارت على نفس الشاكلة الأميركية.

المنطقة اليوم وخاصة في الجزيرة والخليج تبدوعلى صفيح ساخن ، والملعب الذي تركه الغرب للدب الروسي ، يبعث الكثير من التساؤلات المنطقية :لماذا لا يكون هذا مرسوما له ومدرجا ضمن رحلات الصيد الغربية المعروفة والمتبعة ضد خصوم أميركا، وروسيا في هذا الشأن ليست استثناء ، بل هي على رأس قائمة عيال واشنطن العاقين .

وبما أن الصراع الأكثر خطورة والذي غدت تداعياته تتبلور بشكل خطير في منطقتنا ،هو من يُحدد بصورة رئيسية راهن ومستقبل الأوضاع في اليمن ، فإن المواجهات السياسية والدبلوماسية والإعلامية النارية بين طرفيّ المواجهات ( السعودي – الإيراني ) من شأنها أن تُطيل أمد الحرب في اليمن ، لأن أبرز المؤثرين والفاعلين الرئيسيين في أحداث هذا البلد قد تباعدوا أكثر وبات من الصعب التباحث فيما بينهم والاتفاق حول هذا الملف في ظل توسع ميادين الحرب الباردة التي هي مرشحة أكثر من أي وقت مضى لمواجهات عسكرية مباشرة ، خاصة وإن أميركا قد سبق لها وأن جعلت الملف اليمني تحت رحمة السعودية والغيب ،ما يعني إن اليمنيين قد يكونون، إما أبرز الكاسبين في ظل هذه التطورات الجديدة ، أوأشد الخاسرين ، بمعنى أنه وفي حال أندلعت حرب واسعة بين السعوديين وحلفائهم من جهة والإيرانيين وحلفائهم من جهة ثانية ، فمن المرجح أن تنشغل الأولى عن المواجهات في اليمن و تفقد قدرتها على مواصلة الحصار البري والجوي والبحري عليه، هذا أولاً: وثانياً : قد تترك المملكة السعودية فراغات كبيرة في جنوبها، وهذه سريعا ما يملأها الجيش اليمني ولجان الحوثي ، والحال نفسه في الجبهات الداخلية التي تدعمها قوات التحالف السعودي ، وهذا هو الجانب الإيجابي بالنسبة لخصوم السعودية الواقفين في وجه جبروتها بثبات إلى اليوم ، أما الجانب السلبي لهم ، فيتمثل في أن حصار الرياض لمناطق نفوذهم وحربها المفتوحة عليهم قد ربما تزداد ضراوية وعدوانية وتركّزاً، مع إحتمال دخول لاعبين جُدد وحلفاء جُدد ومرتزقة جُدد للمملكة ، وهذا الأمر يقودنا لنتيجة أخرى مفادها إنه واذاما أشتد الوطيس هنا وهناك ، فإن الرؤية أمام عدسات الميكرسكوبات والمناظير التي كان ينظر بها العالم للأوضاع في اليمن وما يعانيه أبناؤه من مصاعب ومتاعب وعدوان، ستكون غائمة ومعتمة..

المهم وأياً كانت التوقعات وتبايناتها يبقى الأمر الثابت والمتفق عليه هو أن المنطقة مرشحة لمزيد من التفكك والمآسي وتفشّي إفيون الطائفية والفوضى والخراب .
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس