بقلم / يونس الحكيم
لا يحتاج المتابع لكبير عناء لكي يكتشف مدى إمعان البعض في توصيف الحوادث الإرهابية والأعمال العدائية التي تقع هنا وهناك، ويتم إلصاقها بالمسلمين بغية ربط الإرهاب بالإسلام، وإن أظهر البعض منهم عكس ذلك. وما يؤكد على صحة ذلك هو أن مصطلح «الإرهاب» لا يُطلق على أي أعمال عدائية إلا إذا كان الجاني أو منفذ العملية مسلماً، أما اذا كان غير مسلم فسرعان ما يتم وصف الحادث بالعرضي أو العمل الرهيب ومنفّذه بالمختل عقلياً أو ما شابه. المهم ألا يتم وصفه بـ«الإرهاب»، كما حدث في بريطانيا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وبقية دول الغرب.

ففي لندن، وقع حادث دهس قبل أيام، وراح ضحيته عشرات المسلمين الأبرياء أثناء خروجهم من مسجد منسبيري بارك شمال لندن، وقام به مواطن بريطاني برفقة شابين، ولأن الجاني غير مسلم والضحايا مسلمون، فقد سارعت السلطات البريطانية إلى توصيف الحادثة بالعمل الرهيب وليس «الإرهابي» كما جاء على لسان تيرزا ماي بقولها: «أتعاطف مع ضحايا الدهس الرهيب قرب مسجد». وبررت السلطات الحادث بأن منفذ العملية مختل عقلياً، مع أنه كان برفقته شابين! وفي ألمانيا، وقعت عدة حوادث دهس، أولها كان في برلين في نهاية ديسمبر من العام الماضي، وثانيها كان في هايدلبرغ في نهاية فبراير من العام الحالي، وثالثها يسمى بـ«هجوم دوسلدورف» وقع في منتصف مارس من العام الحالي. أتدرون كيف صنفت السلطات الألمانية تلك الحوادث؟ صنفت الحادثة الأولى بالعمل الإرهابي لأن منفذها مسلم، أما الحادثتان الأخريان فلم تُصنفا بالعمل «الإرهابي»، وبررت السلطات العمليتين الأخيرتين بأن منفذيهما مختلان عقلياً لأنهما غير مسلمين.

وفي أغسطس من العام الماضي، وقع حادثان منفصلان في بلجيكا خلال أسبوع؛ الحادث الأول هو تعرض رجلين من الشرطة البلجيكية للطعن من قبل شخص، أما الحادث الآخر فهو تعرض دبلوماسية بحرينية مع اثنين من معاونيها للطعن والاعتداء من قبل شخص. ومع أن الحادثتيين متشابهتان إلى حد كبير، وتحملان الواقعة نفسها: الطعن، إلا أن السلطات البلجيكية كان لها رأيها الخاص كما ورد على لسان رئيس وزرائها، في حديثه الصحافي عقب كل حادثة، فقد صنفت الحادثة الأولى بالعمل «الإرهابي»،

ينما صنفت الحادثة الأخرى بالعمل «العرضي وغير «الإرهاب» ليس سوى الإسلام مهما حاولوا صرف أنظارناالإرهابي»! أتدرون لماذا؟ لأن الأمر ببساطة يتعلق بهوية الجاني؛ فالجاني في الحادثة الأولى مواطن بلجيكي مسلم من أصول صومالية، والضحيتان كانا مسيحيين، ولهذا تم تصنيفها بالعمل «الإرهابي»، أما الحادثة الأخرى فالجاني فيها مسيحي، والضحية أو المعتدى عليهم مسلمون.

إذاً، هذا هو المعيار الحقيقي والمعمول به لدى الغرب في تمييز الأعمال العدائية وحوادث العنف وتصنيفها بـ«الإرهاب» من عدمه.

ولا زلت أتذكر تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية، برنار كازنوف، حينما علق على حادث اللوفر، حال وقوعه، بأن بلاده ستتعامل مع الحادثة على أنها عمل إرهابي حتى يثبت عكس ذلك، وهو عين ما فعلته السلطات الفرنسية عند تعرض فرنسا للكثير من الهجمات الأخرى، والتي منها حادثتا الشانزلزيه ومطار أورلي في أبريل ومارس من العام الجاري. وبالفعل، ما إن يتم إعلان هوية المنفذ (مسلم)، حتى يتم تصنيف العملية بالإرهابية، وإذا كان غير مسلم فسرعان ما يسوقون له المبررات كمختل عقلياً وما شابه.

خلاصة ما يمكننا قوله، إن الشعوب الإسلامية لم تعد تنطلي عليها حيل وخدع ما يروج له البعض من أن «الإرهاب» هو العنف المسلح، أو هو الترويع، لأن هذين المعنيين يجافيان الحقيقة، وبعيدان كل البعد عن الواقع. فإذا كان «الإرهاب» هو العنف المسلح أو الترويع، فلماذا لا تدرج على قوائم «الإرهاب» كل الحركات والفصائل المسلحة المسيحية التي تمارس العنف والترويع في الكثير من البلدان، ومن تلكم الحركات أو المنظمات، على سبيل المثال لا الحصر، منظمة «إيتا» الإنفصالية في إسبانيا، والتي روعت المجتمع الإسباني ومارست أعمال عنف، وحركة «فارك» الماركسية المتمردة في كولومبيا، والتي مارست أعمال عنف لسنوات، وجبهة «أورومو» المسلحة في إثيوبيا، وحركتا «إنتي بلاكا» في أفريقيا الوسطى و«كاخ» اليهودية، واللتان تعدان من ضمن أخطر عشر منظمات تمارس العنف والإرهاب في العالم، ومنظمتا «الهاجاناه» و«توباك»، بالإضافة إلى أكثر من عشر منظمات أمريكية تمارس العنف والإرهاب ولم يتم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية، ومنها «كهنة فنس» و«رابطة الدفاع اليهودية» و«جبهة تحرير الأرض» و«جيش الرب»، وغيرها من المنظمات التي تمارس أعمال العنف والإرهاب دون أن يقف بوجهها أو يردعها أحد.

إذن، أليس ما سقناه دليلاً قاطعاً على أن «الإرهاب» ليس سوى الإسلام مهما حاولوا صرف أنظارنا، وحرف مفاهيمنا عن ذلك، وليس هو العنف أو الترويع كما يروج له.

 والسؤال: هل يعي حكام المسلمين الذين يتهافتون على أبواب الدول الغربية لمحاربة «الإرهاب» - الذي بالفعل ينبذه الجميع - أن هذا المصطلح لا يعني سوى الإسلام؟ وإذا كان الغرب غير قاصد بـ«الإرهاب» الإسلام فلماذا لا يتم تعريفه؟ أو على الأقل استبداله بمصطلح أوضح وأعم وأشمل كالعنف أو الترويع؟ حينها نقيس بقية الحوادث على هذا المفهوم، ونعمل على محاربتها... حينها يتضح لنا العدو الحقيقي الذي يستحق أن يقف الجميع ضده، ويحاربه.

* نقلاً عن العربي

حول الموقع

سام برس