بقلم/ د.أحلام القباطي
تُعَدُّ التبعية والانقياد للدول العظمى من السمات الأساسية التي تميز الوضع الراهن للسلطات و الشعوب العربية، حيث يبدو أن معظم السلطات العربية تابعة لمصادر القرار المصيري لشعوبها وبلدانها.
وقد أدى هذا الواقع إلى انتشار التشرذم والدمار والصراعات، بما في ذلك حروب الوكالة، حيث تمثل اليمن وسوريا والعراق والسودان نماذج حية لهذا الدمار.
في هذا السياق، تعاني اليمن من تمزقٍ وتشرذمٍ داخلي وخارجي، وهو ليس مجرد مظهر اجتماعي عابر بل يُعَدُّ مؤشراً جوهرياً على خلل عميق في بنية الإنسان اليمني ذاته. لذا، ينبغي على الجهات الرسمية وصناع القرار إدراك أن تغيير الوضع وتحقيق الاستقرار والسلام ، وإنهاء الاتجار بحروب الوكالة المستمرة منذ عقود، لا يمكن أن يتم من أعلى، بل يجب أن يبدأ من الأساس :
الإنسان اليمني. كخطوة آنية يعتبر اختيار أفراد الجهات الرسمية من الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء اليمنيين والذين لم يشاركوا في نهب المال العام داخلياً وخارجياً، أي الإيقاف الفوري لمنهحية تدوير الفاسدين وموظفي دول الجوار والدول الإقليمية، هي الخطوة الأولى في إيقاف الدمار الشامل، و اللبنة الأولى في صرح بناء الدولة اليمنية. فالوضع الحالي مؤسف لأن الدول المتحكمة بمصير اليمن يختارون من يدين بالولاء التام لهم على حساب سيادة وطن ودم شعبه وكرامة شعبه، وإذا اختل وضع هذه اللبنة، فإن ما فوقها سيتهاوى. إن اختيار ممثلي اليمن يجب أن يكون على أسس المسؤولية المجتمعية، وصون المال العام والحقوق العامة للشعب وسيادة البلد وبما يضمن إيقاف نهب الموارد السيادية لليمن خارجيا و داخليا ، ووفقا معايير القيادية النزيهة لا المرتهنة والمؤجرة.
بعدها ياتي الاهم وهو الاهتمام بالتعليم وأبعاده عن الصراعات السياسية والمذهبية ، والتركيز على إنشاء جيل يقدس سيادة بلده ويرفض الارتهان والتبعية للخارج يعَدُّ المدخل الحقيقي لبناء شعب يمني قادر على مقاومة التبعية والارتهان والارتزاق للخارج.
فالأطفال الذين يُربَّون على الاستقلال والوعي والمسؤولية والإدراك الحقوق العامة والخاصة والانتماء وضرورة صون سيادة وطنهم، ولديهم ثقافة تقبل الاختلاف والاعتراف بالآخر يصبحون مشاريع لبناء جيل قادر على النهوض ببلده واستعادة سيادتها من الدول الإقليمية التي تمتلك زمام الأمور فيها منذ عقود ليومنا هذا.
إن هذا البناء لا يكتمل إلا عبر أدوات التنشئة الأولى: _الأسرة والمدرسة والمجتمع والمؤسسات، حيث ترتكز أساليب المعاملة الداعمة على تعزيز _الثقة بالنفس، القدرة على اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية و صون الحق و المال العام ، وهي مقومات أساسية في تكوين شخصية مستقلة ترفض الارتهان والشراء. علاوة على ذلك، يُعَدُّ احترام المجتمع لصوت الشباب المستقل وتقدير رأيه من أبرز دعائم هذا البناء.
فعندما يشعر الشباب أن لصوتهم قيمة، تتعزز لديهم صورة الذات ويوقنون بأنهم شركاء في تغيير الواقع إلى الأفضل وليسوا مجرد أتباع وموظفين و ظلال تُقاد من الخارج.
لا يمكن لأمة أن تنهض إذا أهملت بناء أجيالها، ولا يمكن لمجتمع أن يتمكن إذا لم يصغِ لمنطق سيادة الوطن ومصلحة الشعب العليا بعيداً المحاصصة والفيد و عن المصالح الخاصة للأفراد والأحزاب والشيوخ والجماعات التي تتاجر بمصير البلد والشعب.


























