
بقلم/ مصطفى بن خالد
مع تصاعد العداء الترامبي الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، تتكشف ملامح مخطط خطير يستهدف إعادة رسم خارطة المنطقة ديموغرافياً، عبر تهجير الفلسطينيين من أراضيهم نحو مصر والأردن، في استكمال لمشروع التصفية الذي لطالما كان هدفاً استراتيجياً للكيان الصهيوني.
مخطط التهجير القسري الذي يروج له ترامب ونتنياهو، لم يكن مجرد طرح عابر، بل هو مشروع متكامل يسعى إلى فرض واقع جديد، يتم فيه إفراغ فلسطين من أهلها، وتحويل مصر والأردن إلى دول مستقبلة للاجئين، بما يهدد أمنهما القومي واستقرارهما السياسي والاقتصادي، ويقضي على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.
حق الفلسطينيين في دولتهم.. خط أحمر لا يقبل التفاوض
أي نقاش حول القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتجاوز الحق المشروع للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفق قرارات الشرعية الدولية التي أكدت على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف.
إن تحويل القضية الفلسطينية من قضية احتلال يجب إنهاؤه إلى “أزمة إنسانية” يتم حلها عبر تهجير السكان هو انتهاك صارخ للقانون الدولي، وخرق لكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ما يجعل من الضروري التصدي لهذا المخطط بكل الوسائل المتاحة، وعدم السماح بتمريره تحت أي ذريعة.
ما المطلوب عربياً؟
1- تشكيل لجنة سياسية عربية عالية الاحترافية للتصدي لمخطط التهجير
يجب على الدول العربية تشكيل لجنة سياسية متخصصة تضم خبراء في العلاقات الدولية، ودبلوماسيين مخضرمين، ومحامين دوليين، تتولى :
•الرد رسمياً وقانونياً على مخطط ترامب والصهيونية العالمية، وكشف أبعاده أمام الرأي العام الدولي.
•التحرك دبلوماسياً للتواصل مع القوى العالمية والإقليمية، وشرح مخاطر هذا المخطط على استقرار الشرق الأوسط والعالم.
•صياغة خارطة طريق دولية لمواجهة هذا المشروع، عبر تحالفات دولية تدعم حق الفلسطينيين في أرضهم.
2- شطب الديون المصرية والأردنية فوراً
لأن الضغوط الاقتصادية هي أحد الأسلحة التي تستخدمها القوى الكبرى لفرض قرارات على الدول المستهدفة.
لذا، فإن أي دعم لمصر والأردن يجب أن يبدأ بإلغاء ديونهما، لمنحهما مساحة أوسع لمواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية.
3- إطفاء الحرائق في اليمن والسودان وليبيا والصومال
لا يمكن للأمة العربية أن تواجه المخاطر الوجودية وهي غارقة في أزماتها الداخلية.
أن استمرار الصراعات في اليمن، السودان، ليبيا، والصومال ليس مجرد مشكلة محلية، بل هو استنزاف لقدرة العرب على التصدي لمشاريع الاحتلال والاستعمار الجديد.
لذلك، يجب على القمة العربية في 27 فبراير من الشهر الحالي :
•إطلاق مبادرة عربية شاملة لحل النزاعات الداخلية، تتضمن دعم الحوار الوطني والمصالحات السياسية في الدول التي تعاني من الحروب.
•إيقاف التدخلات الخارجية التي تؤجج الأزمات وتمنع الحلول السياسية.
•إنشاء صندوق عربي لإعادة الإعمار، لضمان استقرار الدول المتضررة وإعادتها إلى مسار التنمية.
4.دعم اقتصادي مباشر لمواجهة الابتزاز الدولي
يجب على الدول العربية، خاصة الخليجية، تقديم دعم إقتصادي مباشر لمصر والأردن، ليس كمساعدات مؤقتة، بل كجزء من استراتيجية طويلة الأمد تضمن استقلال قرارهما السياسي، وتحصنهما من أي ضغوط خارجية قد تدفعهما إلى تقديم تنازلات غير مرغوبة.
5- تحرك دبلوماسي عربي موحد
بدلاً من أن يكون الموقف العربي رد فعل على الأحداث، يجب أن يكون هناك تحرك استباقي في المحافل الدولية، لقطع الطريق أمام أي محاولة لفرض حلول على حساب مصر والأردن.
الدول العربية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتبني خطاب واضح وموحد، يرفض أي شكل من أشكال التهجير القسري، ويؤكد على أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو إنهاء الاحتلال وليس تصدير الأزمة إلى دول الجوار.
6- إعادة إحياء التحالفات الإقليمية لحماية الأمن القومي
التعامل مع التهديدات الصهيونية يجب ألا يقتصر على البيانات السياسية، بل يجب أن يكون هناك تحرك عملي لإعادة بناء تحالفات إقليمية حقيقية، تضمن حماية الأمن القومي العربي.
وهذا يتطلب تنسيقاً أمنياً وعسكرياً بين مصر والأردن ودول عربية أخرى، لمواجهة أي محاولات لفرض الأمر الواقع بالقوة.
القمة العربية في 27 فبراير.. اختبار المصداقية
القمة العربية المرتقبة في 27 فبراير الجاري ستكون لحظة فاصلة في تاريخ الموقف العربي من القضية الفلسطينية.
فإما أن تخرج بقرارات جماعية فاعلة يتم تنفيذها بنية صادقة بعيداً عن التسويف والمراوغة، أو تتحول إلى مجرد لقاء بروتوكولي آخر لا يقدم ولا يؤخر.
المطلوب اليوم من القادة العرب ليس مجرد بيانات إدانة، بل خطوات عملية ملموسة، تبدأ بدعم صمود الشعب الفلسطيني داخل أرضه، ورفض أي محاولة لفرض التهجير كأمر واقع، وصولاً إلى اتخاذ مواقف حازمة تجاه أي طرف يسعى إلى تمرير هذا المخطط، سواء كان إسرائيلياً أو دولياً.
خاتمة: معركة وجود لا مجرد أزمة عابرة
ما يواجهه الفلسطينيون اليوم ليس مجرد عدوان عسكري، بل مشروع استيطاني إحلالي يسعى إلى تغيير معالم المنطقة ديموغرافياً وسياسياً.
وأي استهداف لمصر والأردن في هذا السياق، يعني أن الأمة العربية بأكملها ستجد نفسها أمام واقع جديد، يُفرض عليها بالقوة، ويضعفها استراتيجياً لعقود قادمة.
دعم مصر والأردن اليوم ليس خياراً، بل ضرورة استراتيجية، لأن نجاح المخطط الصهيوني في تهجير الفلسطينيين يعني بداية تفكيك جديد للمنطقة، حيث يصبح كل بلد عربي مهدداً بمصير مشابه.
لذا، فإن المعركة الحقيقية ليست فقط في الدفاع عن فلسطين، بل في حماية الدول العربية من أن تتحول إلى ساحات لتنفيذ المشاريع الاستعمارية الجديدة.
الرهان اليوم على وحدة الموقف العربي، وعلى قرارات صلبة تترجم إلى أفعال، لأن الصراع لم يعد فقط حول حدود، بل حول مستقبل أمة بأكملها!